أجندات مختلفة

أكملنا أمس السنة التاسعة عشرة من عمر وحدتنا المباركة التي جاءت حصيلة كفاح أجيال من اليمنيين الوطنيين الذين اختذوا منها عقيدة حياة ومحط آمال واستشرقوا من خلالها المستقبل والنهوض وعمارة الإنسان والأرض وعودة اليمن السعيد كما استقر في الذاكرة الشعبية، وكما تعزز في الوعي الوطني {كلوا من رزق ربكم واشركوا له بلدة طيبة ورب غفور}، ولسنا بحاجة إلى تعداد فضائل الوحدة، فهي فوق العد، بعض ثمراتها ظاهر جلي، والبعض الآخر مسستر خفي، أي أن كراماته ومعجزاته ستظهر مع تتالي الأيام، وتنامي العمل. وقهر نزعات الهوى لدى أولئك الذين لا يرون في أي منجز سوى الفوائد الشخصية والعوائد المجزية، لا يبالون من أي طريق جاءت، ولا من أي جيب نهبت، ولا إلى أ يالدواهي تقود، هؤلاء هم آفة كل وحدة، يقرضون حبالها كما تقرض الجرذان أسلاك الكهرباء، فتحيل النور ألساطع غلى ظلام راقع، لا يعرف فيه “مقتول من قتله، ولماذا قتله”، ولا بد من وقفة متأنية هنا، لأن هؤلاء بما جبلوا عليه من الدهاء الشيطاني، يصوّرون أي نقد يوجه إليهم بأنه نقد للوحدة وللوحدويين الأنقياء، وهم يسعرون الأحقاد ويؤججون الفتنة يصلون رياء خلف علي، ويأكلون جياعاً على موائد معاوية، وقد استفادوا حتى النخاع من شعار “الوحدة تجبّ ما قبلها”، فاستمرأوا الما قبل ومدوه في الزمن وفي الغد القريب والبعيد سيعيدون المقولة نفسها، إن تعددت الأسباب، فالمصلحة تجب ما قبلها، والحكم المحلي الموسع يجب ما قبله وهكذا حتى “يجبونا” على أم أنوفنا، فنسلم لهم بما أجرموا فيه وما اقترفوه، وما اغترفوه، وإذا كان أمر المنكر المخالف هيناً لأنه يعلنه ويسببه، فإن أمر المرائي المخاتل يلتبس على الكثيرين الذين يرون أعمالاً تخالف الأقواه. وهؤلاء هم حزب منسجم متناغم ربما يكونون أكبر الأحزاب عديداً وعدة.
لقد جعلوا الفساد عقيدة و”مرجلة” وشطارة غير منكرة، وأصّلوا مقولة “اقتل وبا يقع صلح”، ومن هذا الخرق الذي يشبه خرق سد مأرب الذي أودى به تحت مقارض الجرذان، يتوسعون أفقياً وعمودياً، يتمسكنون حتى يتمكنوا، ويكونون في غاية السعادة عندما يرون صاحب القرار وقد اغتر بطروحاتهم الملقة الملفقة، وما يبثونه من أراجيف في المدينة والريف، وغاية مناهم أن يشتبك سلاحا السلطة ومناوئيها، وأن تشتعل الأرض ناراً وتسيل الدماء أنهاراً، وتحتجب السماء التي كنا نرجيها حين تحتجب وفقاً لبصيرة شاعر الوطنية عبدالله البردّوني – رحمة الله عليه – فيعبر في عتمتها الكئيبة المحرّفة كل مغرض صاحب تفكير ضال وأهداف مشبوهة وأحقاد مشبوبة، وكذلك تجار الحروب الذين لهم في كل عرس قرص، ورائحة البارود أزكى في أنوفهم من المسك.
لا ينبغي للوحدويين الإنجرار خلف كل ظاهرة صوتية مهما علا زعيقها، ذلك أن الأجندات مختلفة باختلاف أجندتي الهدم والبناء، ومن غادر موقعه إلى موقع خصمه يترك خلفه فراغاً، الله يعلم من سيملأه، وطالما أن اليمنيين قد أجمعوا على أن الوحدة والديمقراطية ومقتضياتهما خطان أحمران فإن عليهم أن يتوسعوا في الحوار واستكشاف فرص الوئام ووسائل تحقيق العدالة، والقضية المتوازنة، وأن لا يكون ذلك الحوار إهدارا للزمن أو كما يقولون حوار (طرشان)، لأن الحورا في حد ذاته ليس هو الهدف، وإنما وسيلة لهدف، وإذا افترضنا أننا في سفر وحدوي، فلا بد لنا أن نعرف مخطات السفر على الطريق، ومتى نريح القافلة، ومتى نشد الرحال، ذلك أن السياسة لا يوجد فيها خط نهاية تتوقف عنده الحياة، فهي ارتقاء دائم إذا توقف مال إلى الإنحطاط. ونحن على ثقة بأن القيادة المجرّبة المحنكة لديها خارطة طريق، وعلى جميع المخلصين أن يكونوا خلف القيادة بالنصيحة والرأي السديد، وبالعزيمة والعمل الرشيد، وبالنزول إلى الرأي العام لتبصير من لا يبصر، ذلك أن الكثيرين من العامة ينظرون إلى مواقع أقدامهم في يومهم، ولا يستوعبون التداعيات في غدهم، والتي قد تدهم الوطن كقطعِ الليل البهيم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s