وقفة للتأمل …

برعت إمارة دبي في سياحة المعارض، وتفننت فيها حتى أدارتها على جيدها تضيء على مدار العام، كما ضاء عقدٌ على خالصة وفقاً لذلك الشاعر المتأفف الماكر الذي طال وقوفه بباب الخليفة حتى أصابه اليأس، وكان للخيفة مخظية سوداء من ذلك النوع الذي قال فيها شاعرٌ مزّاح:
أحب لحبها السّودان حتى=أحبّ لحبّها سود الكلاب
مع الاعتذار للجارية الحسناء التي رقِيت إلى قول المعري ذي الذائقة المبصرة:
ليلتي هذه عروسٌ من الزنج=عليها قلائد من جُمان
المهم أ، صاحبنا بعد أن ضاقت به الحال وأضناء المطال بعث إلى الخليفة يقول:
لقد ضاع شعري على بابكم=كما ضع عقد على خالصة
عندئذ انتفض الخليفة، فكل أمرٍ يهون إلا القدح في خالصة “يا بختها”، فاستدعي الشاعر يمزّقه إرباً، فقد جاء شيئاً إدّا، ولكن الماكل قال له: “يا مولاء، أنا لم أقل ذلك، وإنما حرّف البيت من رواه، ألم تسمع بقول القائل “ويل للشعر من رواته” أنا قلت:
لقد ضاء شعري على بابكم=كماء ضاء عقدٌ على خالصة”
انفرجت أسارير الخليفة، فأجزل له في العطاء، وساد السرور والانبساط المجلس، فالخليفة قد أنس إلى “خالصته”، واشاعر قح حلّق بجائزته.
ما علينا… وإنما سقت الحكاية للتفكه والتسرية، ولأن العزيزة دبي تمر هذه الأيام بوعكة لا بد أن تنتفض منها كما انتفض أبو الطيب بعد أن نعي في مجلس سيف الدولة، فأرس إليه:
يا من نعيت على بعد بمجلسه=كل بما زعم الناعون مرتهن
كم قد قُتلت وكم قد مت عندكم=ثم انتفضت فزال القبر والكفن
نعم، ستستعيد دبي عافيتها، وقد جاءت سندات العشرين مليار دولار لتمثل الرافعة الأولى من هذه الكبعة التي حملتها الأمواج من شواطئ الأطلس البعيدة، ولا باس من وقفة للتأمل، فقد أنهك محمد بن راشد ظهور الأصايل في السرى المتواصل حتى وصل إلى الخيار الحدي لأبي الطيب:
لأتكن وجوه الخيل ساهمة=والحرب أقوم من ساق على قدم
والطعن يحرقها والزجر يقلقها=حتى كأن بها ضرباً من اللمم
قد كلمتها العوالي فهي كالحة=كأنما الصابُ مذرورٌ على اللجم
أبوظبي سارت على خطى دبي في صناعة المعارض، وهي تخطو باعاً إذا خطا الآخرون ذراعا، لذلك فإن كفتها في الميزان تترجح يوماً إثر يوم، وأكاد أقول ساعة إثر ساعة، حيث تحولت إلى ورشة عمل عالمية لا تهدأ ليلاً أو نهاراً، وآخر الفعاليات ذات الطابع العالمي افتتاح معرض ومؤتمر الدفاع الدولي (آيدكس 2009) في أبوظبي الذي افتتح قبل يومين بمشاركة 900 شركة دفاعية وصناعية متخصصة من خمسين دولة، وتعرض في (آيدكس) أحدث التقنيات والتجهيزات المتطورة والمركبات والأنظمة البرية والبحرية الجوية، فضلاً عن أنظمة الرادار وأنظمة الحرب الإلكترونية والإلكتروبصرية، والأسلحة والعتاد، وأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والمراقبة والاستخبارات ووسائل الدفاع ضد الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، وكذلك الأنظمة والمعدات الخاصة بالأمن، والأجهزة التشبيهية والتدريبية واللوجستية والطبية، ووسائل النجاة، والمعدات الشخصية، حصيلة وفيرة، وسياحة مطيرة على حد قول أصحابنا “حاجة وحجّة وبيع مسابح”.
إنه عالم الحرب يا سيّدي، وإن توشح بأردية السلام، والدول تُقبل على شراء الأسلحة أكثر من إقبالها على الفواكه والحبوب واللحوم، وعلى هدى الدول يسير الأفراد حيثما كان ذلك متاحاً، واسألوا سوق (جحانة) إن كنتم لا تعلمون… ألم يشخص ذلك أبو الطيب:
كلما أنبت الزمان قناةً=ركب المرء في القناة سنانا
ومارد النفوس أصغر من أن=تتعادى فيه وأن تتفانى
غير أن الفتى يلاقي المنايا=كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا
من الأخبار المفرحة جداً نجاح الإمارات في تصنيع طائرة بدون طيار بعيدة المدى، تستطيع الطيران 135 ساعة على ارتفاع يصل إلى 30 ألف قدم بحمولة 600 كيلوجرام، كما أعلنت أيضاً عن تصنيع قمرين اصطناعيين محلياً بكلفة 1.6 مليار درهم، يغطيان أفريقيا وجزءاً من أوروبا وآسيا، أجمل ما في الأمر أنه بدون ضجيج، فبعض البلدان إذا صنعت إبرة أبرقت وأرعدت “ويا أرض اتهدي ما عليك قدي”.
هناك أخبار كثيرة جيدة من هذه الدولة العربية الفتية التي تتلمس طريقها بثقة ومثابرة نحو المستقبل، وبما يتفق مع العصر وتقدمه العلمي المبهر، وإذا كان تصنيع السلاح خطوة إلى الأمل والثقة بالنفس فليكن ولنثمنها:
مشيناها خطىً كتبت علينا=ومن كتبت عليه خطىً مشاها

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s