ابراهام لينكولن

إبراهام لينكولين
إبراهام لينكولن

مائتا عام مرت على ميلاد الرئيس الأمريكي الأشهر إبراهام لينكولن، محرر العبيد وبطل الحرب الأهلية، التي قضت على النزوع الإنفصالي لدى ملاك العبيد في الجنوب الأمريكي، وكان الإنتصار فيها إيذاناً بولادة أعظم دولة عرفتها البشرية من نسيج غير متجانس من المهاجرين، الذين جاءوا من أركان المعمورة الأربعة إلى العالم الجديد الذي خطف الأضواء من القارات القديمة، التي كانت تنوء بالأفكار البالية، والتراتبية المفرّقة بين البشر، والإقتصادات البطيئة، والمعرفة المعلقة بين الأساطير والتحيزات والرغائبية السياسية. ولا شك أن الإسهام الأمريكي في التاريخ البشري هو ما حرّض على الإنقلابات الديمقراطية في العالم، وهيكلة مؤسسات الحكم، وإطلاق المبادرة الفردية خارج كل القيود، وفتح الأبواب واسعة أمام كل مبدع ومتطلع وقادر على العطاء، وهو الأمر الذي شكل مادة الحلم الأمريكي الذي تركه الآباء المؤسسون لأمريكا دون تعريف جامع مانع، وذلك من أجل أن يتجدد في كل آن بمواكبة التطوّر وحركة الحياة، وهو الحلم نفسه الذي جاء بباراك أوباما ذي الأصول الأفريقية إلى ذورة السلطة، والذي يمهد في الآن نفسه لحكم النساء اللواتي حرمن – كالأقنان – من تسنّم المناصب العليا على مدى التاريخ الأمريكي، ولم يبلغن شأواً إلا في العقود الأخيرة مع مادلين أولبرايت وكندوليزا رايس وهيلاري كلينتون. وفي القلب من هذه الدراما التاريخية التي تفاعلت في العالم الجديد (أمريكا الشمالية خصوصاً) يقف إبراهام لينكولن علامة فارقة لنمط من القادة التاريخيين الذين يملكون زمام أنفسهم قبل أن يملكوا زمام الآخرين، وهم أولئك النفر الذين يضعون بصماتهم على مسيرات الأمم وتحولاتها بقدر كبير من اليقين، يتحوّل إلى إلهام لملايين من الناس الذين يؤازرونهم ثم يسيرون على خطاهم، وهذا الإرث الثمين هو ما يحتفل به الشعب الأمريكي عاماً إثر عام.

يقول جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي في واشنطن: “كان لينكولن أعظم رؤساء أمريكا، وأشدهم تعقيداً، فقد ولد في عائلة فقيرة للغاية، إلا أن كدحه وطموحه الذي لا يكلّ حققا له النجاح في مجال المهن القانونية أولاً، ثم في المجال السياسي فيما بعد، وهو شخصٌ عصامي، علّم نفسه بنفسه، ولم يكن حظه من التعليم النظامي سوى عام واحد فحسب، وعلى الرغم ذلك لا يزال العلماء إلى اليوم مندهشين إزاء عبقريته وفصاحة بيانه، ولا تزال الخطابات التي خطها بيده تعتبر كنزاً من الكنوز الفريدة البلغية للأمة الأمريكية، كونها أسهمت في إعادة تعريف الهوية الأمريكية، فضلاً عن تعريفها لما تعنيه الحرية الأمريكية”.

سيرة لينكولن في فرادتها ونصوعها وإخلاصها للمثل التي آمن بها تعد بمثابة جامعة للأجيال اللاحقة، تستقي منها المعرفة والإرادة والتصميم على بلوغ الأهداف، وكان لينكولن أستاذاً في فقه الأولويات، فقد ألغى عدداً من قوانين الحريات ليستنى له مواجهة الأحداث الجسيمة، حيث شهدت ولايته نشوب حرب أهلية وحشية، حصدت أرواح 600 ألف من البشر، ولقد كان همه الأول والأساس الحفاظ على الإتحاد، وهو الهدف الذي قاد أمريكا إلى مستقبلها، كأغنى أمة وأكثرها بأساً على وجه الأرض، وإذا ما تفككت هذه الوحدة لأي سبب من الأسباب – كما يتنبأ كثيرون هذه الأيام – فإن الحلم الأمريكي سيصبح أثراً بعد عين، وقد تصبح كندا أو المكسيك المحيطتان بأمريكا وربما دول أبعد من ذلك في الشرق والغرب مدار الأفلاك الأمريكية المتشظية، ومن هنا فإن الرهان على قيادة أوباما العقلانية المتبصرة المتأنية هو رهان على النجاح والإفلات من مصائر الإمبراطوريات الغاربة.

وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية ورد: “إن إبراهام لينكولن، أشهر الرؤساء الأمريكيين، مازال محط إجلال، ومصدر اعتزاز للأمريكيين الذين يتغنون بعظمته كما بالأسرار المحيطة بشخصه، وإذا كانت الشعبية تقاس بحجم المطبوعات، فإن لينكولن يتفوّق بامتياز، حاصداً شعبية منقطعة النظير، فقد شكل الرئيس الذي ألغى العبودية وأنقذ الإتحاد من التفكك مادة لعشرة آلاف كتاب منذ وصوله إلى الرئاسة عام 1860م.

وقد علّق سيناتور إلينوي (ديك دورين) العضو في لجنة المؤية الثانية لولادة لينكولن متعجباً ومتباهياً بالقول “كتاب عن لينكولن كل أسبوع، إن رئيسنا السادس عشر شكل مادة لكتب تفوق بعددها الكتب التي تناولت جميع رؤسائنا معاً”. مع ذلك كان لينكولن يقول عن نفسه بتواضع العظماء “ليس هناك أمور كثيرة يمكن قولها عن نفسي”. يا ترى كم رئيساً عربياً نال مثل هذه الحظوة من التاريخ، بعد أن انطفأت أضواء مسرح الحكم وهيلمان الأتباع؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s