شر البلية ما يضحك, وقد تكاثرت (البلاوي) على خراش العربي فما يدري (خراش) ما يصيد مع أنه في حالنا مصيد لا صائد، يمضي في دروب الله مثل أرنب بري تترصده الجوارح وتتخطفه المخالب وتذرو الرياح الزعازع وبره الناعم في البرية فوق أشجار الغضا, وما من مغيث لهذا المتأرنب التائه “الغضا” تحت الهجير الذي كان ذات يوم ضرغاماً يخشى الصيادون سطوته حتى قيل فيه:
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه
تصيده الضرغام فيما تصيدا
وآخر المضحكات المبكيات مطالبة وزير الدفاع البريطاني جون هاتون أمس الأول الدول العربية الثرية بتمويل نفقات القوات البريطانية في افغانستان فاتحاً الباب لدول حلف شمال الأطلسي المتكالبة على الكعكة الأفغانية لتغرف باليمين والشمال من هذا الثراء المزعوم, حيث “رزق الهبل على المجانين” ولا شك أن الرجل لديه من الحيثيات ما شجعه على مثل هذا القول المنكر وأن المسألة ليست طلب صدقة يشكر معطيها ويثاب عليها وإنما هي من ذلك النوع الذي أشار إليه المثل اليمني “حسنة وأنا سيدك” فنحن لم نسمع أن بريطانيا العظمى قد أفلست وحان قطافها فنقول عزيز قوم ذل, ولا أنها استأذنت أثرياء العرب قبل إرسال قواتها التي تتجرع الصبار حالياً إلى افغانستان ضمن حروب جورج بوش الدنكشوتية التي قادته وتابعه بلير إلى العراق وختمها على طريقة “يا رايح كثر بالفضايح” بمجازر ومحارق غزة, ومن العجيب أن جون هاتون الذي يعرف من أين تؤكل الكتف استئناساً بأسلافه لم يتوجه إلى دول غنية جداً مثل الصين والهند والتي لها مصالح استراتيجية في افغانستان لأنه يعرف أن لخزائن تلك الدول حرساً شداداً سيرمونه من فوق سور الصين العظيم أو جبال الهملايا إلى حيث ألقت، الرجل معذور إذاً فهو لم ير أمامه جداراً قصيراً مستباحاً سوى العرب بعوائدهم التي تم شفط 250 ألف مليون دولار منها في الأشهر الأربعة الأخيرة وفقاً لما ذكره الدكتور محمد الصباح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي على هامش مؤتمر القمة الاقتصادي بالكويت والذي خرج منه فقراء العرب بخفي حُنين بعد أن مناهم بالمن والسلوى وجنات عدنٍ ومشاريع (مارشال) التي ذابت ككلام الليل المدهون بالشمع إذا طلعت عليه الشمس ذابا, ولا أدري إذا كان “خراش العربي” قد فهم الدرس مع أن التكرار يعلم الشطار, وحاشا لله أن نشير إلى الحمار لأنه يعرف طرق السلامة جيداً ومن مرة واحدة, وتحضرني لمناسبة ذكر هذا الكائن الذكي المخلص في عمله والشديد الصبر طرفة تراثية حيث جيء بمتهم بالمتاجرة في المشروبات الروحية وتنظيم الأفراح والليالي الملاح لذوي المال واليسار وأصحاب الكأس والطاس إلى قاضي بغداد, وقد أنكر المتهم كل ما نسب إليه ومنها أنه كان ينظم نقل الزبائن إلى وكره النائي بواسطة عدد من الحمير يستقلونها مع خيوط الشمس الأولى حين يبزغ الصباح وتسكت شهرزاد عن الكلام المباح، وحين توصلهم إلى مقاصدهم يتركونها فتعود إلى صاحبها دون أن تحيد عن الطريق قيد شعرة، وقد طلب الإدعاء من القاضي أن يؤتى بالحمير إلى المحكمة ثم تطلق فإذا ذهبت إلى بيت صاحبنا فقد ثبتت التهمة ووضح الحق، وقد انتبه المتهم إلى خطورة هذه المصيدة المكيدة، فتوجه إلى حضرة القاضي قائلاً: يا مولانا أثابك الله أتريد أن يسمع أهل الحجاز بهذه البدعة فيقولون أن قضاة العراق يأخذون بشهادة الحمير، وقد أسقط في يد القاضي بهذا الاستنتاج الدامغ الذي سيكون سبة في جبين قضاة بغداد, وكان الخلاف الفقهي على أشده تلك الأيام بين عواصم ومناطق الاجتهاد العربي كما هو الحال والحمد لله في هذه الأيام, وبذلك خرج جنس الحمير من نطاق الإدلاء بالشهادات مع أنها لا تكذب ولا تتجمل.
ولا أظننا بحاجة إلى شهادات الحمير والبغال والبرذونات والإبل للكشف عن واقع الحال المزري الذي دفع جماعات من خارج المنطقة لدراسة علل وأمراض هذا الجسد الممتد من المحيط إلى الخليج وتقدير خسائره الفادحة.
حيث قدرت دراسة فريدة من نوعها أعدتها مجموعة (ستراتيجيك فور سايت جروب) وحظيت بدعم رسمي من كل من النرويج وسويسرا وقطر وتركيا تكلفة عقدين من النزاعات في الشرق الأوسط بـ12 ألف مليار دولار (12 تريليون) فقط لا غير، ومع ذلك فمازال الحبل على الغارب “والساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب” وفقاً لعادل إمام، فمن الذي سيدفع تكاليف الحصار البحري على العرب؟ العرب طبعاً.. ومن الذي سيدفع ما نبنيه كل يوم وتهدمه إسرائيل كل يوم؟ العرب طبعاً.. ومن الذي سيتخلف وسائر الأمم تتقدم؟ العرب طبعاً.. ومن الذين سيأكلون لحوم بعضهم أحياء مخالفين القاعدة الذئبية: وليس الذئب يأكل لحم ذئب.. ونأكل بعضنا بعضاً عياناً..!!!
متى تستيقظ يا “خراش” الأمم؟.