الشاعر المهجري الكبير (إيليا أبو ماضي) كان ينزع إلى التفاؤل وإشاعة الأمل، وتوظيف الشعر لتغيير زاوية النظر المُتشائمة، ورؤية النصف الممتلئ من كأس الحياة بدلاً من التحسّر على النصف الفارغ، ويتّضح من هذا المسعى النبيل أن الإنسان هو من يصنع الشقاء لنفسه، ولديه القدرة على النهل من ينابيع السعادة الموجودة في كلّ مكان، وأوّلها المردودات العظيمة نفسياً ومعنوياً وأخلاقياً لأعمال الخير، وفي مقدمتها الكلمة الطيبة التي تعد بين الحسنات.
وكان إيليا يرى أن رحلة (الحق والخير والجمال) – وهي الأقانيم الثلاثة للسعادة البشرية والتوافق والتناغم مع الطبيعة – تبدأ من الذات، ومن داخل الإنسان لا من خارجه، “كن جميلاً ترى الوجود جميلاً”، لكن مثل هذا المسلك لا يُطاوع بالسهولة، ولا ينقاد بمجرد الرغبة أو التمنيات، وإنما يحتاج إلى ترويض النفس وتهذيب العقل ومراقبة السلوك ومشاركة الآخرين في أفراحهم وأحزانهم لمساعدتهم على تحمّل تكاليف الحياة، وانتشالهم من ردود الفعل العاطفية العنيفة التي قد تؤدي بهم إلى مفارقة الناس أو مفارقة الحياة بالإنتحار، بينما تكون حظوظهم الطيبة على مقربة منهم، لكنهم لا يرونها بعد أن ارتدوا النظارات السوداء، واعتبروا أنفسهم في عداد المدفونين في الحياة، كالبريطاني (كريج باولر) الذي عانى من اكتئاب حاد لمدة (18) شهراً متواصلة، حاول في آخرها الإنتحار عن طريق تسلّق برج أسلاك كهرباء ذات ضغط عالم، وبعد معاناة من صدمة كهربائية بلغت قوتها (33) ألف فولت، وسقوط من ارتفاع (30) قدماً تمكن ا لجراحون من إنقاذه بعد بتر قدميه وذراعه اليمنى.
تصوّر هذه الفعلة الحمقاء ونتائجها المدمرة على الحياة السوية، ومع ذلك فقد ابتسمت له الأقدار وأسقته السعادة غدقاً، فقد قيض الله تعالى له ممرضة تعمل في العلاج الطبيعي، وكلفت بإعادة تأهيله، فوقعا في الحب من دون سابق إنذار، ويقول القادم من مملكة الموت (كريج باولر): “أنا الآن أسعد رجل في العالم، من يصدق أنني حاولت الإنتحار وفقدت قدمي وذراعي اليمنى”.
كم من (كريج) بيننا لا يرى حظوظه ولا يسعى إليها، لأنه منشغل بالبكاء، كاره للضحك، غير قادر على التكيف مع الظروف التي هي بطبيعتها متغيرة؟ أما لاعروس السعيدة – واسمها (آبي) – فقالت: “إنه بعد أن خرج (باولر) من المستشفى، وبدأنا نتقابل في الخارج، شعرت بعاصفة من الحب”.
بوركت العواصف من هذا النوع، فالحياة ليست هبةً للموت، أما حين يأتي في وقته فهذا أمرٌ آخر، وقديماً قالوا: “ابك وحدك واضحك يضحك الناس معك”، وهذه وصفة مجربة في الهند، حديقة التأمل والسكينة، ومستودع الفسفات الباحثة عن السعادة الروحانية، البلد التي هجر فيها (بوذا) مُلك أبيه الدنيوي وملذات القصور بعد أن شاهد الشقاء الإنساني الذي كانت الحاشية – بأمرٍ من الملك – تحجبه عنه، فقرر أن ينتهج سبل المساكين، وأن تكون الحكمة ضالته، فاقتعد تحت شجرة يتظلل بأفيائها ولبس الأسمال، أما ما يقيم أوده، فمما تجود به الطبيعة أو يجود به الناس، ويوجد اليوم في العالم أكثر من مليار بوذي يقتفون خطاه.
أقول: في الهند، التي يحاول الإرهاب ترويعها، يوجد (15) ألف ناد يمارس منتسبوها (يوجا الضحك) لعلاج الروح والبدن، ويتزعم هذه الحركة المؤسس الهندي (مادان كاتاريا)، الذي يقول إنه أُلهم فكرة العلاج بالضحك كعلاج للمرضى عام 1995، حيث أسس أول نادي، واليوم تنتشر هذه النوادي في (60) دولة.
طبعاً في بلادنا وبلاد العرب عموماً فإن “الضحك من غير سبب قلة أدب”، والآباء وكذلك الأمهات يراقبون الضحك كما يراقبون المخالفات الجسيمة، حتى ينشأ الولد أو البنت و “بوزه ينشف الخميرة”، وإذا ضحك المرء غطى فمه وأدار رأسه جانباً، وردد “اللهم اجعله خير”،كأنما الضحك سبب البلوى أو الدال عليها، ويبدو أن لهذا السلوك ملابسات وارتباطات سحرية وأسطورية بالغة القدم، وللخروج من أسرها نحتاج إلى إعادة تثقيف مجتمعية، وقد كان العرب – كما يقول الموروث – يختارون أسماء أولادهم لأعدائهم، مثل: (صخر)، (كلب)، (نمر) (ذئاب)… الخ، أما الأسماء ذات الرنين الوالحاوة فيقول الموروث أنها للعبيد والإماء.
اضحك يا صديقي وروّح عن نفسك ومحيطك، وستجد كل ذلك في صحتك صحة، وفي تفاؤلك تفاؤلاً… وكل عامٍ وأنتم بخير.