هُدوء ما قبل العاصفة…

حَلَقَةٌ مُفرغةٌ من العُنف والتهديد بالحرب واستنزاف الموارد لصالح الأسلحة، تدور فيها كُلٌّ من الهند وباكستان مُنذ انسلاخهما المُميت عن بعضهما عام 1948ولم يُقدَّر لجراحهما أن تندمل عقب ثلاثة حُروبٍ طاحنةٍ وفصلٍ أو انفصالٍ لبنجلاديش عن باكستان، واليوم وعقب تنازلٍ قصيرٍ بإحلال السلام وعلاقات حُسن الجوار بعد انتخاب «آصف زرداري» رئيساً لباكستان، يتلاشى ذلك كُلّه وتُخيِّم على البلدين أجواء الحرب وسط شُكوكٍ عميقةٍ أعقبت هجمات مُومباي الإرهابية الشنيعة.

ومن الواضح أنَّ البلدين عاجزان عن كبح جماح الإرهاب، فباكستان بُؤرةٌ للجماعات المُتشدِّدة، ولم يَزَل تفجير فُندق «ماريوت»، الذي استهدف كامل طاقم القيادة، لولا لُطف اللَّه تعالى والصُّدَف السعيدة، ماثلاً في الأذهان، أمَّا عن وزيرستان ومناطق القبائل على الحُدود الأفغانية، فحدِّث ولا حرج، حيثُ للإرهاب دولةٌ وللقبائل صولةٌ ولطالبان الباكستانية وشقيقتها الأفغانية ألف نابٍ وذراع.

وفي كشمير الهندية حركاتٌ انفصاليةٌ لها عُمقٌ محلِّيّ، والعُنف هُو أحد أبرز أدواتها في الصراع، ومنها مُنظَّمة «عسكر طيبة»، التي تتَّهم الهند باكستان بإيواء عناصرها وتدريبها وتقديم الدعم اللُّوجستي لها.

ومن الواضح أنَّ الإرهاب قد أصاب كُلاًّ من الهند وباكستان في مقتل، فالحُكومة الهندية لا تستطيع أن تظهر ضعيفةً وخانعةً أمام شعبها، كما أنَّها لا تتحمَّل ضرب اقتصادها، والسياحة، حيثُ وصل عدد السُّيَّاح عام 7002م إلى (5) ملايين، واليوم تُغلق الوكالات السياحية أبوابها وخُطوط الطيران رحلاتها، والعالم يُرسل الطائرات تلو الطائرات لتخليص مُواطنيه وطمأنتهم، ومن ذلك دُول الخليج العربية، التي تعتبر الهند مُنتجعاً سياحياً تقليدياً لمُواطنيها مُنذُ زمنٍ طويل.

الموقف الآن في وضع الترقُّب الذي يُشبه الهُدوء الذي يسبق العاصفة، ولا مفرّ من تداعياتٍ مُؤلمةٍ مهما قيل عن النوايا الحسنة والعُقول الراجحة، وقد صرَّح مسؤولٌ هنديٌّ بأنَّ إجراءاتٍ احترازيةً أمنيةً ستتَّخذها نيودلهي ترقى إلى مُستوى الحرب، كما عبَّرت باكستان عن قلقها من التصعيد المُنذر، وقالت إنَّها ستسحب قطعاتٍ عسكريةً من إقليم القبائل، حيثُ طالبان والقاعدة، إلى حُدودها الشرقية مع الهند، وأنَّ الحرب على الإرهاب لن تكون أولويةً إذا ما تفاقم الوضع، وهذا دفع أمريكا، العالقة في أفغانستان ومع طالبان باكستان، إلى إعادة فحص خياراتها لنزع الفتيل بين دولتين نوويتين جارتين كانتا رَتْقَاً فَفَتَقْهُمَا الاستعمار البريطاني والأيديولوجيات التي كانت سائدةً غداة الاستقلال، ذلك أنَّ باكستان إذا قرَّرت عدم خوض الحرب على جبهتين داخليةٍ وخارجية، فإنَّ معنى ذلك غرق القُوَّات الأطلسية في المُستنقع الأفغاني المعروف تاريخياً بقُدراته على تذويب الفُولاذ، حيثُ سقطت بريطانيا هُناك، ثُمَّ الاتِّحاد السُّوفيتي، ثاني أكبر قُوَّةٍ في العالم.

ومن الواضح أنَّ الإرهاب قد استهدف عصافير جمَّةً بضربة مُومباي، حيثُ أوجع الهند في خاصرتها الرخوة وفي أعزِّ معاقلها الاقتصادية، بما يُشبِّهه البعض بهجمات 11 سبتمبر على أمريكا، وهذا سيصرف الهند، قليلاً أو كثيراً، عن خُططها الطموحة لتحقيق مُعدَّلات نُموٍّ عاليةٍ تُنافس بها الصين، لأنَّ الأمن سيكون أولوية الأولويات، وستحتاج إلى أساطيل لحماية مياهها من التسلُّل، حيثُ أثبت الإرهابيون قُدراتٍ غير عاديةٍ وتخطيطاً فائق الذكاء وبالغ القسوة، ممَّا قد يدفع المُتشدِّدين الهُنود إلى الردِّ داخل الهند في إطار الصراع الهندوسي الإسلامي المُزمن، وهذا يعني تضرُّر الملايين من البشر في أمنهم ومعاشهم، ولا يُمكن لأحدٍ أن يتنبَّأ بِالمَدَيَات التي يُمكن أن تصل إليها شرارات النار، لكنَّ نظرةً إلى ما يجري هذه الأيَّام في نيجيريا قد تُعطي فكرةً عن العُنف الكامن في النُّفوس، كون النار في حجر المرو.

الحلُّ الوحيد المعقول هُو تعاون البلدين بصدقٍ وإخلاصٍ ومُثابرةٍ لاستئصال جُذور الإرهاب في كليهما.

اترك تعليقًا