السعيدة … مرحباً

“أول الغيث قطرٌ ثم ينهمل”، وكان لا بد من كسر الإستعصاء والتردد والمراوحة “محلّك سر”، وقد فعلت ذلك شركة السعيدة للطيران، حين دشنت يوم السبت الماضي أولى رحلاتها بين صنعاء وعدن، وهذا إنجاز تاريخي لجهة الربط الجوي الداخلي بين المحافظات، بما له من مردودات اقتصادية واجتماعية وإنسانية وحضارية، وحتى أمنية، إذا أخذنا بروح العصر الذي يعتمد السرعة مقياساً للحداثة والجودة والمواكبة، فالزمن لم يعد كماً مهملاً كما تعتقد العقول النخرة التي قد تتربع على كراسي مؤسسات وطنية رائدة، فتحيها إلى مجاهل القرون الوسطى، حيث الزمن الميت والإنسان المتكلس والعمل بالبركة “إذا صابت صابت وإذا خابت خابت”، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى – كما يقول مفندو الكلام – فإن (السعيدة) قد فتحت باباً للريادة سينعكس على أبواب أخرى مغلقة أو مواربة، ذلك أن التطور يستند إلى التراكي (الكيفي)، بمعنى أن مشروعاً ما يقود بالضرورة إلى تمهيد الطريق لمشاريع أخرى من نوعه، ومن غير جنسه أيضاً، فمجرد وجود خط منتظم بين عاصمتي اليمن يسيّر خمس رحلات يومياً قابلة للزيادة مستقبلاً سيخلق أفكاراً تبادلية تجارية وسياحية وثقافية، ويربط أواصر وصلات كانت أخذت في التفكك بحكم العزلة واللامبالاة والإستحواذ الضيق النظر، وهذا في تقديري عمل وحدوي بامتياز، فمطار عدن مر بحالة استلاب غير مبررة، ومطار تعز كان قد لقظ أنفاسه، ومطار الحديدية أحيل إلى الإستيداع، وقس على ذلك، والناس كانوا يعانون بصمت غاضب من ضعف النقل الجوي واقتصاره على مطار صنعاء، وخاصة في موسم الحج، ولم تكن (اليمنية) في وضع يساعدها على تلبية مختلف الرغبات، ولو من أجل نموها الإقتصادي، ذلك أن العين بصيرة واليد قصيرة، ولا يظنن أحد أن رئيس اليمنية يقول للشيء كن فيكون، ذلك أنه فوق كل ذي علمٍ عليم، وإذا كثر الطهاة احترقت الوجبة، ولا داعي للتفصيل، ومع ذلك نبارك للعقل العملي المتجرد الوصول إلى هذه النتيجة الطيبة وفق المقولة المأثورة “لأن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً”، ولكن أسعدني وجود جزيرة سقطرى على خريطة (السعيدة)، حيث رصدت 4 رحلات إليها ليومي 26 و 27 أكتوبر، أي بواقع رحلتين يومياًن وقد قلت لنفسي: “هذا حلم أم علم!”، لأنني كنت قد كتبت يوم الأحد الماضي 19 أكتوبر مقالاً في جريدة الأيام الغراء بعنوان “إنها سقطرى يا فهيم”، وأشرت إلى أن مساحة هذه الدرة الفريدة في المحيط الهندي تفوق مساحة كل من هونج كونج وسنغافورة والبحرين والجزر العذراء في البحر الكاريبي وجزيرة ديغوغارسيا، أما بيئتها الطيعية فلا مقارنة، حيث ضمتها (اليونسكو) إلى قائمة التراث الإنساني كمحمية طبيعية، وفصلت في مزاياها وخفاياها مما لا نعرفه، وقلت إنها يمكن أن تكون القاطرة للسياحة والإقتصاد والإستثمار، وبيئة عمل مثالية لعدم وجود تعقيدات فيها، ولتوفرها على كل ما يمكن أن يكون بيئة نموذجية إنسانية، شريطة أن نبدأ في إقامة بنية تحتية جادة، وأن نشجع الرأسمال المحلي والخليجي على الإستثمار فيها، دون فلسفة لا معنى لها، ودون وسطاء يخربون أكثر مما يصلحون.
على كل حال، يبدو أنني شردت عن الموضوع، ذلك أن الفرح يغري بالإسترسال في الآمال، ولا بد لي هنا من الإشارة إلى النجاحات المدوية في شبكة المواصلات البرية، والآن جاء دور المواصلات الجوية، وغداً سكك الحديد المنتظرة، والمواصلات البحرية التي لا تحتاج إلى هدم الجبال والأسفلت، فقد مهدها الله ولم يبق علينا سوى الإتيان بالسفن.
ومرحباً… مرحباً… مرحباً… بـ(السعيدة) التي نرجو أن كون إسماً على مسمى.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s