السيستم

أخيرا وقعت بين براثن (السيستم) الذي حطم أعصابي وجعلني أتحسر على أيام العمل اليدوي والاتصال المباشر ، كنت قد أضعت البطاقة البنكية المزدوجة التي تمكن من السحب النقدي من المكائن وتحتوي أيضا على فيزا كادر المشتريات .. كيف أضعتها؟ لا أدري وأغلب الظن أنني بعد أحد الاستخدامات لم أعدها إلى المحفظة وإنما وضعتها في جيبي مع الأوراق التي أجمعها دون فائدة وإنما بحكم العادة، ويبدو أنني أخذت شيئا من جيبي وأنا غافل فكان ما كان من أمر ضياعها والغريب أنني لم انتبه لذلك إلا بعد مرور أيام حين احتجت إليها فلم أجدها ، اتصلت بالبنك لإلغائها وإصدار بطاقة جديدة فعلقت بالسيستم ساعات طويلة أمضيتها وأنا أحاول عبر التلفون الوصول إلى أية جهة ويأتي الرد: عفوا لا استطيع مساعدتك في الوقت الحاضر، سأحولك إلى أحد موظفينا بعد قليل .. وهنا يبدأ السيستم في امطاري بخدمات البنك وبالقروض الميسرة التي لا تحتاج إلى تحويل راتب ، علما أنها تصل إلى مائتي ألف درهم إماراتي ، ثم تأتي التحذيرات من لصوص البطاقات ووجوب تغيير الرقم السري من وقت لآخر ، وكذلك التحذير من الغرباء الذين يراقبونك وأنت تسحب النقود في المكائن وللتخويف يضيفون: لا تفقد حياتك بسبب النقود اصطحب معك شخصا آخر إذا كان المبلغ كبيرا ، ثم يأتي الترويج للعطلات وتذاكر السفر لدى الوكالة التابعة للبنك.. وبعد كل فقرة وأخرى تصرخ السيدة السيستمية: إبق معنا سوف نوصلك بعد قليل بأحد موظفينا، جميع الموظفين حاليا مشغولون مع عملاء آخرين الله يطولك ياروحي – اللهم إني صائم.. وهكذا ساعة ثم ساعة أخرى ثم تهب عاصفة اللغة الانجليزية باللكنة الهندية معها الموسيقى الصاخبة .. من كل قطر أغنية: أخيرا استسلم منهكا محطم الأعصاب فأغلقت السماعة ولا أجد أي بني آدم (أفش فيه خلقي) أذهب إلى البنك أحاول إيقاف تاكسي دون جدوى تجلدني الشمس حتى يكاد يغمى عليّ أجرجر رجلي وأمشي المسافة قريبة ولكن السيارات تتطاير يمينا وشمالا كأنها تخوض معارك مجنونة.

أصل البنك أخيرا متقطع الأنفاس ، أرتمي على أول كرسي أمام أول موظفة كلها أصباغ من كل لون وأسنانها تلمع بأسلاك التقويم البراقة .. بينما هي تتشاغل بضبط الحجاب بأصابع مليئة بالخواتم ، وضعت رأسي بين يدي أريد أن أنام .. لا أهمية للبطاقة .. أريد أن أنام، هكذا وأنا على هذا الحال جاء صوت الموظفة أي خدمة؟ شرحت معاناتي مع (السيستم) وحنيني إلى (المانوال) اليدوي أعطيتها رقم البطاقة فإذا بها تدخل عبر التلفون على السيستم نفسه .. و(عفوا لا استطيع مساعدتك .. انتظر سوف أحولك بعد قليل إلى أحد موظفينا) قلت لها: ياسيدتي ونور عيني لقد جئت إليك هاربا من السيستم ، قالت لا استطيع عمل أي شيء إلا عبره ، إنا لله وإنا إليه راجعون .. بعد ساعة من المسرحية التي سبق شرحها ، (انبثق صوت) بشري شرحت له القضية ، وطلب مني الإجابة على بعض الأسئلة .. اسمك وتاريخ ميلادك اسم الوالدة الكريمة ، رقم تفلون العمل .. إلخ.. وفجأة قطع السيستم وساعة أخرى من الزمن الضائع والنكد، أخيرا تم إلغاء البطاقة مع وعد ببطاقة جديدة عبر البريد السريع .. وحين تبلغت بالنبأ السعيد اتصلت بالشركة الناقلة فعلقت في سيستم جديد بعدد من اللغات: عربي، انجليزي، أوردو، فارسي، ولا أحد يرد ، شعرت بأنني محموم وضغطي مرتفع ومستوى السكر في دمي قد وصل إلى المخ، ذهبت إلى المستشفى فوجدت البشر يتزاحمون كأن وباء قد حل بالبلد ، انتظرت حتى (كلّ متني) ، أخيرا وصلت إلى غرفة الطبيب ، وكان مشغولا بمكالمة يبدو أنها عاطفية ، قلت له ، سيدي الحكيم فبادرني على الفور لا أستطيع عمل أي شيء لأن السيستم عاطل وملفك في الكمبيوتر انتظرت دون فائدة ، وكانت سيدة في الخارج لديها خرّاج ملتهب تصرخ وتبكي فقلت له : أنقذها أيها الحكيم.. فأجاب: عندما يأتي السيستم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s