حتى لاننسى

يفتح الإتفاق الليبي الإيطالي للتعويض عن فترة الإستعمار الإيطالي لليبيا باباً أمام شعوب كثيرة تعرّضت للغزو والإحتلال والإذلال واستنزاف مقدراتها ووقف نموها حتى وصل الأمر إلى محاولات طمس هويتها وإلحاقها ببلد المستعمر ثقافياً وحضارياً ولو أمكن دينياً، وقد ضاع من ضاع في تلك الهجمة الشرسة التي لم توفر قارة من القارات أو بلداً كبيراً أو صغيراً، فالصين قضمت منها أجزاء، وفرض عليها الأفيون بالقوة المسلحة، والهند تساقطت قلاعها واحدة تلو أخرى حتى استكانت وأصبح أبناؤها جنوداً في جيش المستعمر البريطاني يشرّق بهم ويغرّب حيث شاءت له المصلحة وشاء له الهوى، وقد شاهدنا بعض البلدان تقسم أثلاثاً وأرباعاً وفقاً لمصالح الدول المختلفة الغازية، فالصومال مثلاً أصبح الصومال الإيطالي، والصومال الفرنسي، والصومال الأثيوبي، وهم جراً، واليمن عانت من الإحتلال الإنجليزي لعدن، وفرض الحماية على المناطق الجنوبية والشرقية عشرات السنين المتطاولة، وكانت جراحه من الإحتلال التركي لم تندمل بعد، وحيثما تأملت في خريطة العالم ستجد النزيف الإستعماري لطحنها بالأحمر القاني، وقد أبيد السكان الأصليون في أمريكا الشمالية، وانقض الأسبان انقضاض الجوارح على أمريكا اللاتينية، فغيّروا هوياتها، واندثرت لغاتها وعاداتها، والهولنديون انقضوا على أندونيسيا فأوسعوها نهباً وسلباً، وجاراهم اليابانيون، فعاثوا فساداً في ماليزيا وكوريا وأجزاء من الصين، وبدورهم غزا الأمريكيون جزر الفلبين بعد أن هزموا أسبانيا وأخذوا يطاردونها عبر البحار، والبرتغاليون وصولا إلى الصين وفي طرقهم أحرقوا في اليمن ما أحرقوه، وقتلوا من قتلوه، واستقروا في سقطرى كقاعدة بحرية خلفية مساندة، وتروي كتب التاريخ فظائع ما ارتكبوه ضد السكان الآمنين العزل، ثم دمّروا وسائل عيش سكان مناطق الخليج ، وألصقوا بهم تهمة القرصنة التي حمل لواءها البريطانيون من بعد، ويا للعجب أن يكون صاحب الدار الآمن قرصاناً، والغازي القادم من على بعد آلاف الكيلومترات قانونياً ومشروعاً، ولذلك قيل أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكم نحن بحاجة إلى إعادة كتابة تاريخنا لنفهم ما لحق بنا من ضيم وظلم وظلمات، وما عانه الآباء والأجداد الذين قدموا التضحيات، وجادوا بالغالي والنفيس للمحافظة على الوطن وهويته. لقد اعتذر الإيطاليون لليبيا وقدموا ترضيات وتعويضات ووعود، وهذا أقل القليل، وهو يصب في المعنويات أكثر من الماديات، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ومن شاهد فيلم عمر المختار سيرى العنصرية والغلظة وهدر القوانين والنظر إلى الإنسان بازدراء ومهانة، وتعريض الحياة البشرية لخطر الإبادة المجنونة، مجسدة أيما تجسيد، ورحم الله تعالى المخرج السوري الكبير مصطفى العقاد الذي أبدع في تجسيد معاناة الشعب الليبي وبطولاته المتناهية. والعراق اليوم يعيش استعماراً بغيضاً مركباً، هو آخرطبعة من الإستعمار القديم في صورته المعاصرة، حيث يحاكم جندي مأمور لأي سبب، ويباد شعب بكامله بلا سبب:
قتل امرئ في غاية=جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمنٍ=مسألة فيها نظر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s