يقف قادة بريطانيا العظمى تقليدياً خلف الولايات المتحدة الأمريكية، إذا شرّقت شرّقوا، وإذا غرّبت غرّبوا، كانوا المتبوع إبان استعمارهم لأمريكا، وأصبحوا التابع، في مداولة الأيام بين الناس، والمغلوب مولع بتقليد الغالب حتى في لهجته وزيّه وشارداته ووارداته، ويمكن النظر في الأمر من زاوية غريزة البقاء، وهي أهم الغرائز لدى الكائنات الحية، فبريطانيا التي انكمشت إلى جزرها وجاءها الألمان من الجو والبحر في الحرب العالمية الثانية لإفنائها أو استعبادها لم تجد سوى الحليف الأمريكي عبر الأطلسي لإخراجها من هذه المحنة، وليست مستعدة للتجريب هنا أو هناك، فالملدوغ يخاف من جرّة الحبل.
الإمبراطورية الأمريكية كائن خرافي يلتف حول الكرة الأرضية مهدداً الجميع، ولكن مصروفاته الآن فاقت مدخولاته، وهذا ما يؤذن بالإفلاس، فالتاجر الفاجر يمكن أن يطيل عمره بأموال البنوك، وبالإقتراض، وبالأخذ من هذا وإعطاء هذا، ولكن حساباته في الأخير ستصبح مكشوفة لدى الجميع، فلا يعود أحد لمداينته، لأن الصاحب المخسر عدوٌّ مبين.
الإمبراطورية الروسية أرغمت على ابتلاع أجزاء من جسدها ثم تقيّأتها وقد تشوهت والتصقت بها أجزاء متنافرة من اللحم الروسي الحي، واليوم استفاقت موسكو مع علمها أن الزمن لا يرجع إلى الوراء، تبحث عن المجد الضائع مثل بحث العرب عن الأندلس المفقود، وقد تحقق انتصاراً هنا أو هناك، ولكنه انتصار يشبه الهزيمة، لأن الثمن المطلوب مستحيل الأداء، ومع أن القناعة كنزٌ لا يفنى، إلا أن أكره مائدة إلى الإمبراطوريات هي مائدة الحكمة، وقد تفضل الموت جوعاً على الاستماع إلى نصيحة حكيمة تجيء في زمانها ومكانها.
الإمبراطورية الصينية بدأت تغزو العالم وجيوبها مليئة بالذهب، وليس أحب إلى البشر من الأصفر الرنان، ألم يبايع ملوك أفريقيا العقيد معمر القذافي “ملك الملوك” ووضاح أن لكل شيء ثمنه، “شيّلني وأشيّلك”:
والناس من يلقى خيراً قائلين له=ما يشتهي ولأم المخطئ الهُبلُ
المهم أن الإمبراطورية الصينية هي الأنعم لأنها لا تزال في قائمة الإحتياط، وتنتظر سقطات المنافسين وثغراتهم السياسية والإقتصادية والأخلاقية وشعارها اليوم:
إذا غامرت في شرف مروم=فلا تقنع بما دون النجوم
الإمبراطورية الألمانية تسير كمن يسير على البيض وقشوره فقد تعافت اقتصادياً، ووثقت في نفسها سياسياً، وقد أسلمت أمرها إلى أقوى امرأة في العالم السيدة ميركل التي تتشمم ما يجري في الجوار وما يدوي حول الكرة الأرضية، لعل فرصة تلوح، أو عطراً يفوح، وبجانبها أي ألمانيا ميركل عراب الإمبراطورية الفرنسية الجديد ساركوزي، يقضم لقمة من هنا وأخرى من هناك، عين على برلين وأخرى على لندن، ومصانعة لواشنطن:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة=يظرس بأنياب ويوطى بمنسم
على كل حال… الإمبراطوريات تجري وراء مصالحها، ولكن العزة قد تأخذها بالإثم فتتورط فيما لا يحمد عقباه، فتكون القاضية، مصداقاً للمثل: “أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد”.
وكل عامٍ وأنتم بخير…