دعمم

المفروض أن الدول التي على قد حالها كما يقال تتعلم “الدعممة” التي يعتمدها بعض الناس للمرور عبر الإحراجات والتورطات بأقل الخسائر، وذلك وفقاً لحكمة القرود الثلاثة: “لا أرى، لا أسمع ولا أتكلم”، حتى ينجلي الموقف الذي تهب عواصفه من أماكن لا نعرف أغوارها، ولا ندري أبعادها، ولكم كان بعض الحكام العرب موفقين في هذه السياسة على الرغم من الضغوط الهائلة التي انصبت عليهم للمشاركة في الصراعات الدونكشوتية التي لا نقاة لهم فيها ولا جمل، كما تجنبت العديد من الدول الإستقطابات الدولية بقدر الإمكان، لأن الداخل فيها مفقود، والخارج من شرها مولود، وقد يفكر البعض أن فرصته قد حانت حين يرى رياح الحرب الباردة التي بدأت تهب من السهوب الروسية، فيما كان الأمريكان يحرضون أوروبا التي تحاول استعادة حكمة “رأس الذئب الطائر” وقد انكوت بالنار في حربين عالميتين، وفي حروب العراق وأفغانستان والبلقان، وهي لا تريد أن تأتي بالدب إلى حديقتها، ولا أن تذهب إليه في غابته، ثم ما “أوسيتيا الجنوبية”؟ هي لا شيء في الجغرافيا الروسية، ولكنها قد تكون المدخل لكل لشيء من الفضائع التي تلوح في الأفق، فهي بمثابة القشة التي قد تقصم ظهر البعير في علاقات الشرق والغرب، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وقد رأينا دول منظمة (شنغهاي) وضمنها الصين و “هبشة من دول آسيا الوسطى” توعد موسكو، بينما تداعت قبائل “العالم الحر” خلف واشنطن، والآن سيسعى الطرفان إلى توريط بقية دول العالم، والمثل اليمني يقول “إذا تقاتلك الرباع أوبه لجربتك”، وكانت سوريا السباقة عربياً لدعم روسيا، و”من سبق أكل الثبق”، والله أعلم، كما أن إيران تفرك كفيها فرحاً وهي تراقب تفكك ما كان يسمى الإجماع الدولي الهش الذي ينطبق عليه المثل “من برع الله الله، ومن جوه يعلم الله”.

وبالنسبة لكوريا الشمالية فقد شربت حليب السباع، وأعلنت أنها لن تستمر في تفكيك برنامجها النووي، وهي تخطط لإعادته إلى ما كان وأحسن، والآن لننتظر أحجار الدومينو وكيف تنكفئ على أجنابها في الإتجاهين، على أن لا ننسى أن احتمالات “التهويش” واردة، فالمشي على الحافات الخطرة يعيد بعض العقول إلى موازينها حين ترى الهاوية، أما (جورجيا) فقد ابتلعت طعماً ساماً يشبه القصة الشعبية عن المرأة التي أصرّت على ترك بيتها للأخذ بثأر ولدها، ولكنها عادت حبلى سفاحاً دون أن تأخذ بثأر ولا يحزنون، وقد استدرجها الماكر بوتين بعد أن أعد العدة، وكانت معركة غير متكافئة، ولكن البادئ أظلم.

أما عن قصة الديمقراطية التي يطرب لها لارئيس بوش ووزيرة خارجيته الحسناء الآنسة كوندوليزا رايس، فلا ندري موقعها من الإعراب إلا رجماً بالغيب، وربما كانت نتائجها تشبه نتائج تلك المُلحة أو الطرفة التي رواها لي صديق قائلاً أن زائراً غريباً قد نصبح بها عربياً يريد الديمقراطية وله فيها تنظيرات وتخريجات وكتب خضراء وبيضاء ووردية ورمادية، وما شاء الله من الألوان، فقال له الزائر: “لماذا لا تعتمدوا يا سيدي ديمقراطية الأسد ملك الغابة”؟ قال: “وما هي؟”، قال: “استدعي الملك رفيقيه الذئب والثعلب، وقال إنه قد عقد العزيم على إحلال السلام وإشاعة الديمقراطية، وسألهما الرأي، فقال الذئب الغبي: الرأي أن كل واحد منا يتنعم بصيده دون خوف، فما سأل الثعلب الحكيم: هز رأسه على طريقة “نعم”، وقد خرج الفريق للصيد فاصطاد الأسد جاموساً، والذئب غزالاً، والثعلب أرنباً، فقال الملك: نحن شركاء فاقسم أيها الذئب، قال: القسمة مكتوبة من الله: الجاموسة لك، والغزال لي والأرنب للثعلب، فما كان من الأسد إلا أن لطمه لطمة أطارت نصف وجهه، ثم قال للثعلب: اقسم، قال: القسمة مكتوبة من عند الله، قال كيف؟ الغزال لفطورك يا مولانا، والأرنب لغدائك، والجاموسة لعشائك، قال: والله إنك لحكيم… ونخشى أن تكون ديمقراطية بوش من هذه الدروس.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s