نريد الزبدة وليس الزبد..

ردّ أصحاب مصفاة عدن على ما اعتبروه افتراءات تسيء إلى سمعة المصفاة والعاملين فيها، ومبررهم في عتبهم أو غضبهم على ما نشرته جريدة الأيام نقلاً عن تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حول الحساب الختامي لشركة مصافي عدن للعام المالي 2006م، أنه قد يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة على سمعة المصفاة على المدى الطويل، وخاصة أمام الشركات العالمية التي تقدم تسهيلات كبيرة للمصفاة.

وليسمح لي الإخوان تنبيههم إلى أن هذه طريقة قديمة عفا عليها الزمن، وهي لا تزيد عن سياسة النعامة في دفن رأسها في الرمال، معتقدة أن أحداً لا يراها ولن تطالُها من ثم أيدي الصيادين، فالسُّمعة تُبنى بالعمل الجاد المثمر والمنظم والشفاف، كما أن إشانة السمعة لا تكون إلا بالتقصير أو بالتكتيم أو بإخلاف الوعود والعهود {وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم إن العهد كان مسؤولا}، والشركة ليست ملكية خاصة تغلق على نفسها الأبواب وتجري حساباتها بعد متنصف الليل بعد أن يخلد الجميع إلى النوم، وفي الصباح نقول للجميع وللمسؤولين حساباتها “كله تمام يا أفندم” مع تعظيم سلام ثم تسرح وتمرح إلى أن يفرجها الله.

لا هذا شغل أي كلام، فهذه الشركة العريقة ملك الشعب، ومن يقومون عليها مسؤولون أمام الله والناس وأنفسهم، ومسألة السُّمعة مسألة نسبية جداً لأن الشركات التي تتعامل مع المصفاة هي أعرف الناس بالأحوال، فما من أحد يعرف حالة التاجر غير الذي يقدّم له الديون والتسهيلات “فالنار ما تحرق إلا رجل واطيها”، ونحن مع الشركة في أن هناك اعتبارات فنية وسوقية وأفكار شائعة قد تكون مغلوطة، ولكننا لسنا معهم في التكتم حيث تقتضي الشفافية وتقديم الحساب، ثم أن مسألة الأرباح هي مثل الصبوح عند المزارعين، والذي يساوي الروح، وليست مثل الغداء الذي “يجي أو يروح”، فالشركة الخاسرة قد تغلق أبوابها أو تُعرض بالمزاد في الأسواق، وكم كنت أود لو ابتدأ الدفاع بـ (الزبدة) بدلاً من اللجاجة في متاهة جُحا.

أما القول بأن الصحف كان بإمكانها أخذ معلوماتها مباشرة من المصفاة بعيداً عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فهو كلام غير معقول، لأن ما ستحصل عليه صاحبة الجلالة الصحافة هو كلام من أبواب الفخر والحماسة والغزل العفيف، مع حفل استقبال محكي بالشاي السيلاني والكيك الإنجليزي، وللمناسبة خارج الموضوع، فإن الشركة تملك داراً للضيافة يعدُّ من مفاخر الإبداع والفن في جودة الأطعمة التي تركز على عشرات الأنواع من أسماك خليج عدن، وقد زرته مرة ذلك المطعم فشهدت له بالعالمية، ورددت مع الشاعر (مسرور مبروك) أين بحر المانش من حقاتنا… نعم…. المانش الإنجليزي أسير محصور ملوَّث، وهذا الساحل المبارك من باب المندب إلى شقرة من آيات الجمال الطبيعي والثراء البحري، ويبدو لي أن رجلاً عاشقاً كان وراء مشروع دار الضيافة بقاربه يصيد الأسماك وما لم يعثر عليه يشتريه من الآخرين، ثم يتفرغ للفن في مطبخه كبيكاسو في مرسمه، ويقال أن ابنه ورثه المهنة، ويا ليت جملة المصافي تعمل على شاكلة هذا المواطن المبدع.

هذا وقد قطع الرد الصادر عن الإدارة العامة لشركة مصافي عدن “أن ما ورد من معلومات – سواء كان مصدرها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو لجنة التنمية والنفط في مجلس النواب – لا تمثل أي آراء مهنية متخصصة في قطاع التكرير النفطي، وهذا بحد ذاته يعتبر خطأً فادحاً لا يخدم البلد والمصلحة الوطنية، والسؤال الذي يُطرح هنا: “لمصلحة من كل هذه الإرباكات المفتعلة؟”.

وأنا أفترض أن الغضب هو مصدر هذا التقييم الذي يفترض أن المصافي وأرباحها لوغاريتمات لا يفهم فيها إلا جن سليمان عليه السلام، أو أن من يقول غير ما يرغبون في قوله لا يخدم البلاد والمصلحة الوطنية… “ذا كلام أيها الإخوة!!”، وعلى كل حال فهو درس من خارج (المعشر)، علماً أن تجاراً كباراً وصناعيين مهرة قد لا يفكون الخط ولكن عقولهم كمبيوترات وإلا لكانت الدنيا “سداح مداح”، وكل واحد يحاسب نفسه بنفسه، لأن لا أحد في مستواه أو أعلم منه فيما يقوم به:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفته   من   الفهم   iiالسقيم

المطلوب هو التواضع من الجميع ومناقشة الأمور، لا “المناجمة والمجادلة”، ونحن نعلم أن من يقف أمام محكمة يحتكم إلى الإجراءات، ويجيب بقدر السؤال، حتى لا نكون مثل ذاك الذي جاء صاحب المسكن يسأله الإيجار فأجابه: “ليش تسب الزعيم”، ثم صاح بملء صوته “أنت تسب الزعيم… تعالوا اشهدوا يا عباد الله”، ولما كانت الأمور “حبحب على السكين” فإن صاحبنا قد كف عن المطالبة بالإيجار حتى لا يقال أنه يسب الزعيم.

المطلوب (الزبدة) وأن نعرف كم صافي الأرباح، {أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. صدق الله العظيم

وإلى الغد…

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s