تسعى الإنسانية مُنذُ الأزل، وستظلّ إلى الأبد، لمعرفة أسرار الصحَّة والمرض والتقنيات الضرورية، كما العقاقير، للسيطرة على كليهما، بما يُنمِّي الصحَّة ويُزيح المرض، ولا شكَّ أنَّه قد تمَّ إحراز ما يُشبه المُعجزات في سبيل الوصول إلى هذين الهدفين، لذلك فإنَّ على الذين لا يُؤمنون بالطبِّ الحديث مُراجعة حساباتهم، فما بين معارفهم القديمة البدائية وفُتوحات الحكمة مسافةٌ ما بين السماء والأرض، وقد شملت الثورة العلمية كُلّ شُؤون الصحَّة والمرض ذات الصلة بالإنسان والحيوان والنبات، الأمر الذي اقتضى التخصُّصات الدقيقة التي باعدت بين معارف الاختصاصيين، فأصبحوا، ما لم يُنسِّقوا أُمورهم بإحكامٍ شديدٍ ومُتابعةٍ واعية، كجماعة العُميان الذين انطلقوا للتعرُّف على الفيل، فصادف كُلٌّ منهم جانباً من ذلك الحيوان الضخم، ثُمَّ جاء تشخيصهم ووصفهم له بقدر ما تحسَّسوا من أعضائه المُختلفة، فَمَنْ تعلَّق بذيله جاء وصفه مُغايراً لِمَنْ تعلَّق بخرطومه، وَمَنْ جسَّ قدمه التي تُشبه جذع شجرة، فارق في وصفه ذلك الذي لامس بطنه العظيمة، وكذلك هُو حال المرض الذي تتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمَّى، إذا ما عاينه أخصَّائيون مُتعدِّدون، ولكن «كُلٌّ في فلك يسبحون»، لذلك فإنَّ المريض إذا عدَّد الأطبَّاء شأن أُولئك الذين يتزوَّجون بأكثر من واحدة، سيكون مصيره مع الأطبَّاء الذين يصفون له أكداس العقاقير الكيماوية المُهلكة، كذلك المصير الذي وصفه الشاعر بقوله :
«تَزَوّجْتُ اثْنَتَيْنِ لِفَرْطِ جَهْلِيْ
بِمَا يَلْقَاهُ زَوْجُ الاثْنَتَيْنِ
فَقُلْتُ أَعِيْشُ بَيْنَهُمَا خَرُوْفَاً
أُنْعَمُ بِيْنَ أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فَصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِيْ وَتُمْسِيْ
تُدَاوِلُ بَيْنَ أَخْبَثِ ذَئْبَتَيْنِ»
إنَّ الكبد والكلى والمعدة وغيرها من المنظومة الداخلية للإنسان، تدفع ثمن الأدوية الكيميائية التي تلفظها المعدة إلى الكبد، فيعجز عنها، رامياً بها إلى غير مكانٍ حتَّى تستقرّ في الدم لتدور، مُحدثةً الخراب حيثما حلَّت وطاب لها المقام، لذلك أقولُ إنَّ أمام العلم أشواطاً وأشواطاً للرسو على برٍّ مأمون، وقد كان البُروفيسور الألماني «هسلر»، في مُستشفى «برلين» وأحد أشهر أطبَّاء القلب في العالم، بمثابة صمَّام الأمان للقراءات المُتعدِّدة للأخصَّائيين الذين يصفون أعضاء الفيل من منظور ما علموه، «وَمَا أُوْتِيْتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيْلا»، وقد قيل قديماً، على سبيل التنبيه والتحذير، إنَّ ما يُصلح المعدة قد يُفسد الكبد، لذلك فإنَّ الحاجة ماسَّةٌ إلى تخصُّصٍ طبِّيٍّ جديدٍ لمُوازنة العقاقير وتتبُّع آثارها وضبط توافقها وتنافرها، والنصيحة الأوَّليَّة : كُن طبيب نفسك بالمُراقبة الدقيقة لوظائف جسدكَ الحيوية، واعتمد خدمات الحُكماء الذين يُفكِّرون قبل أن يبتروا، ويحسبون قبل العلف بالكيماويات التي تُزاحم الأغذية في الثلاَّجات.