
حين طلب مني الأخ العزيز الأستاذ/ سالم صالح محمد كتابة مقدمة للكتيّب لتأبين فقيدنا الكبير الشيخ عمر قاسم العيسائي، شعرت بقدرٍ كبير من الرّهبة، كأني لم أمسك القلم قبلاً وأنقش آلاف الصفحات، ذلك أن للراحل الكبير مكانة مُهابة في قلبي، كانت دائماً تتجاوز الكتابة والتعبير، متوغّلة فيما وراء الكلمات في العمق من المشاعر، في سويداء القلب، وفي خبايا الضمير الحي، وفي الذكريات المتوقدة في الذاكرة على مدى العمر كلّه، حيث كان الفقيد منار إلهامٍ، ونموذج نجاح مهنيٍّ باهر، وملاذاً للناس، ونسمة سلام رخيّة ليّنة وادعة تفيض بالمحبّة، تنثرها كعطر أزهار الحدائق في الربيع. ولطالما راودني شعورٌ مسيطر بأن الدنيا في سلام طالما العم عمر تتنفسّه الحياة، يُباركها وتُباركه، ويأوي إليه الأحباب كما تأوي الطيور إلى أعشاشها، حيث الأمان والإطمئنان.
نعم… كان يسأل عنا جميعاً، عن أحوالنا وحالاتنا واحتياجاتنا، يتفقدنا كما يتفقد أولاده، وأتذكر أنه اتصل بي إلى عمّان في الأردن حين علم بمُصاب زوجتي في خطأٍ جراحي، فعاتبني بعد أن واساني لأنني لم أبلغه وأستشيره، وإلا كان للسعيّ الطبي اتجاهٌ آخر، بكيت وأنا أحتضن عاطفته الصادقة وقلت له: “لا ينجي حذر من قدر”. وقد آزرني على امتداد تلك المحنة التي قادتني إلى بريطانيا لمدة ثمانية أشهر، شعرت خلالها على الدوام أنني في كنفه وفي ظل رعايته. كان الإنسان دون افتعال أو تظاهر، وإنما تتدفق إنسانيته كما يتدفق الماء من الينبوع الصافي الرقراق العميق الغور، بحيث لا ينفد مخزونه أبداً، ولذلك فإن الشيخ لم يرحل عن دنيانا الفانية إلا بجسده، أمّا أعماله فستظل تتدفق، فغرس يديه كان كله خير، وأشجار البستان لن تزهر وتثمر غير ذلك. وحين كنت في ألمانيا على السرير الأبيض بعد عملية قلب مفتوح، تحدث إليّ ولده الأصغر محمد عمر باللهجة نفسها، وبالأريحية الكريمة المعروفة عن الشيخ عمر، وكان الحديث قبل وفاة الراحل الكريم بأيام قليلة، وحين سألته بلهفة عن صحة والده لم يزد على أن قال: “إدعُ له”. طبعاً دعوت من كل قلبي، ولكن غمامة سوداء غطّت على عينيّ، ولم أعد أرى في أشجار الغابة التي تطل عليها غرفتي سوى دموعها ودموعي. كان لتلك الكلمتين رهبة الوداع، حين يتفرق الأحباب:
تبكي من الدّنيا وهل من معشرٍ
جمعتهم الدنيا لم
يتفرقوا |
قال تعالى ( انانحن نحي الموتى ونكتب ماقدمواوأثارهم وكل شيء احصيناهـ في امام مبين )صدق الله العظيم الآية ١٢سورة ياسين
نسأل الله الرحمة والمغفرةللشيخ عمرقاسم العيسائي ان الاعمال الخيرية التي دأب عليهاالمرحوم والذرية الصالحة التي نرجوان تسيرعلى دربه لهي الاثار التي ستكتب عندالله وفي قلوب الناس
رحمه الله رحمة واسعه
خيره الواسع، وذكره الحسن
وسع القاصي والداني
اسكنه الله الفردوس الاعلى من الجنة