كل خميس:مدى شاسع في أفق مظلم

للمرأة الشاعرة في وطننا الذكوري وجهها الاستثنائي ومخاضها الذي يصدر الطلق تلو الطلق دون أن ينطلق الجنين، لكأن قوافل الجمال التي قال عنها الشاعر الموغل في القدم: ما للجمال مشيها وئيدا/ اجندلا.. يحملن أم حديدا.. لم تستطع تحمّل احزانهن عبر العصور، ومن هنا ذلك الوسم الذي نشتم رائحة لحمه المشوي في اشهارهن الهاربة منهن الى لا مكان،

لان الذكورة اعقم شعرية من ان تفك شفرات الاشعة تحت الحمراء في ليل الصبابات بلا غد «اقيام الساعة موعده»؟ أحاول ان اقرأ دون ان يخدعني «المكياج- أُفلّي هذا الوجع الذي يوشك ان يكون جبلا كجبل الجواهري: انا عندي من الاسى جبُل/ يتمشى معي وينتقل.. كما تفلِّي الزّنجية شعر ابنتها المعفر بالطين اللزج كاللبان، ذلك ان الخديعة تتربّص كما الفضيحة، والشعور العميق يشبه اللا شعور: حريق تحت سماء صافية سرعان ما تسحُّ امطارا حمضية وكبريتية تحيل الى “ليت” كما عبرت “فاطمة العشبي”: «رجل من ورق/ ليته ظل حلماً يسامرني في ليالي القلق/ ليتني ما شعرت به حين جاء الى باب قلبي ودق/ ليتني سئت ظنّي به، ليته في اكاذيبه ما صدق.. كنت احسنت فيه الجواب.. يا امير العقاب.. ها انا حفنة من عذاب والذي كان سوف يكون، تلاشى سراب».

في مملكة الانتظار الطويل لدى هدى علي أبلان، ليس سوى الانتظار يتراءى احياناً حلماً. واحياناً هوساً واحايين «مسارية الالم» في بحر يعامل الاغاني الملينة بالشجن، كما يعامل الغناء المليء بالخواء.. القصيدة دائماً ذاكرة وليست حدثاً، والذاكرة تنزف لأن الحدث لم يسعفها بالاستمرار ولم يضئ امامها شمعة لطريق ذات اتجاهين. هناك دائماً اتجاه واحد الى العدم الى الاعدام حيث القصيدة مباحة «بين الماء والكلمات» بما يعني غياب الانسان والانسنة ويبدو ان الدفء لمسة صبح مشرق في ذات طريق تتناثر «جغرافية دمه»

«عندما انحنيت مرة، انكسرت مرتين ومت أربعاً، توزعت ذاكرة فوق أرصفة الأبد» هذه حفنة اللؤلؤ التي يقيت من مذبحة الدموع، التي تنهد من الاعماق من ذاكرة الجدات المسومات في ليل السبي، وفجائع الفصام، ونزيف المطر الذي لم يمطر«كبرق سحابة لم تمطر»:

كان يوماً موغلاً في الحب، ممطراً بالبوح، بالتضاريس التي كبرت مع الحلم بوصلة ومنفى: صرة الاحلام والاقمار والورق الرتيب، وما تيسر من ملامحه التي علقت وصارت بعض وجهي/ ما تناثر من جغرافيا دمه: يدٌ هنا.. تلويحة هناك.. قلب امامي.. خفقة تستدير حولي.. بقايا دمعة اودعناها ذات رملة، وكل وصايا الطريق الحزين.. احرك بعضي: خلفي دموع.. امامي ثرثرة.. انا المباحة بين الماء والكلمات.

فاطمة نبعت من «ليت» وهدى من «كان» وكلاهما من الغياب والامل الضائع فمن اين نبعت نبيلة الزبير؟:«لنحلم قليلاً قبل ان نطفئ ضوء الحجرة.. ستحلم وحدك ان اطفأت الضوء، لا اريد ان احلم وحدي هذه المرة.. الرجل الذي سأراه بدون رأس سيذرف دموعه المعتمة. لن اراها في الصباح لانها ستكون بيضاء وغارقة في الغفران».. امنية.. مجرد امنية.. وهي لن تتحقق ابداً، فمجرد ورودها ينفيها حتى وان تحققت شأنها شأن ليت وكان .. يا له من مدى شاسع في افق مظلم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s