لقمة واحدة. .

كان الحماس يغلبها، فتنسى نفسها، على الرغم من أنها تتحدث أمام اخصائيين معتبرين، ولكن الحديث كان موجّهاً إليّ أنا الفقير إلى الله، مع أنّها تلبس لباس المستشفى للعاملين إلاّ أنّها لا تنتمي إلى الهيئة الطبية، ولا إلى الهيئة التّمريضية، وإنّما إلى الإدارة بمعناها الفضفاض من المحاسبة حتّى العلاقات العامة، ويبدو أنّها إلى العلاقات أقرب، فقد أخذت عليّ أنني أكتب دون مراعاة الحساسيّات. . وما هي الحساسيات؟ ردّ فعل القراء والفكرة التي سيكوّنونها عن الخدمات الصحية. . ومن يقرّر ذلك الرّد؟ يا أخي دعنا نتعاون، قل لنا ملاحظاتك أوّلاً، وسنوضّح لك ما خفي عليك. (أيوه). . يعني تقولين لي ماذا أكتب، وكيف أكتب. . (يفتح الله). يا أخي (إنت فهمتني غلط). . قلت لها: (طيب: بالله نبدأ من أوّل وجديد). . بس صدّقيني إنّ الصّدق يخدم الجميع، والمديح ينفّر أكثر من الهجاء، وأنا أقدّر حماسك من موقعك، فلو كنتُ مكانك لفعلت مثلك، ولكن. . لو كنت مكاني لفعلت مثلي، ألم تسمعي ما قاله زعيم الصين (ماوتسي تو ): دع ألف زهرة وزهرة تتفتّح؟ وأضفت: إن السّابلة أي عابري الطريق مثلي لا يرمون سوى الأشجار العالية المثمرة. . (حطّي في بطنك بطيخة صيفي) فأظافرنا النّقدية لن تخدش هذا الصّرح الطبي وإنّما ستزيده بهاء. نظرت إلى بطني، ويبدو أنها منذ البداية لم ترق لها، ولكنها لم تشأ الخوض فيها، أمّا وقد جاء الكلام على البطن والبطيخ منّي، فقد تمعّنت شأن أيّ بروفسور ثم نطقت بالحكمة: لو استغنيت عن لقمة واحدة. . لقمة واحدة فقط مما اعتدت تناوله فإنك ستنزل من وزنك كيلوجراماً في الشهر. كيف؟ مثلما (بقول لك). . قلت لها: هذا هو الكلام المفيد ووالله لأنقصّن عشراً لا واحدة. . وهكذا أخذت أقسّم الأكل نصفين، على الرغم من أنه مخصّص لأصحاب الحمية، أي كميّات قليلة ودهون معدومة وأغلبه خضار وسلطة وكانت النتيجة مدهشة، إذ أخذت السّمنة والبطنة تتهدم بصورة سريعة. كانت كلمة في وقتها وعند الحاجة إليها فأثمرت (وهو يقول لي وأنا أقول له، وخلّصنا الكلام كلّه). . إن النصف أكل يقوم مقام الأكل كله ويفيض ، وجرّب فلن تخسر شيئاً يا عزيزي القارئ.

والنّفس راغبة إذا رغّبتها وإذا تردّ إلى قليل تقنع . . هل رأيتم مريضاً يستمتع بمرضه؟ بالنسبة لي رأيت، وليس من سمع كمن رأى. . جاري في الغرفة، عامل المصبغة الذي سبق أن حدّثتكم عنه، طلب مني التوسّط له لتمديد إقامته. . بابا. . أنا في شغل مال ثلاثة عمّال. . وبكرة في محكمة، (أرباب) زعلان مافي فلوس ، يعني هو يقوم بعمل ثلاثة عمال ورب العمل يتّهم العاملين باستنزاف دخل المصبغة لأنه لا يحقق أرباحاً، ويبدو أن هناك ملابسات أوصلت الطرفين إلى المحكمة، والعامل البائس خائف ويرى المستشفى جنّة الخائفين. لا أدري كيف جرى ما جرى، ولكن جرح القسطرة الذي كاد أن يشفى في جسده تدفق دماً فتقرر بقاؤه، مع حيرة شديدة حول ما جرى ولفرحته جرّعني طوال الليل دناناً من الأغاني الهندية المخزّنة في التلفون وعند السّحور ولما أغمض عيني بعد قام إلى التلفزيون. قلت له: يا ابن الحلال نم ودعنا ننم. . قال: أنا في فرحان بابا. . أنا ينام بكرة. . يا أم الجن علينا، وهكذا لم يغمض لي جفن حتى بزوغ الشمس حين خارت قواه، وهيهات أن يأتيني النّوم في ضوء النهار، وجَلَبة الممرّضات ودبيب الأطباء: قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظُمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s