شمس الشمُّوسة..!!

أخذت أتأمل أحوال المترددين على مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبو ظبي “كل في فلك يسبحون”: مرضى مقيمون، ومسعفون تسبق قدومهم “الونانات” تنهب بهم الشوارع نهبا، استشاريون واختصاصيون وممارسون وأصحاب امتياز ولاهثون وراء التخصص دفاترهم في أيديهم وأقلامهم خلف آذانهم وسماعاتهم في مشاجب آذانهم، كأن على رؤوسهم الطير يفعلون ما يؤمرون، فنيون تحت أيديهم أجهزة ثمينة بملايين الدولارات، بالغة الحساسية، لا تنطق عن الهوى، إنما هو وحي يوحى من العلم المودع في أفئدتها التي تخفق بالكهرباء وتتغذى على المعادلات الرقمية الكمبيوترية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها إلا إذا ركب الشطط إنسانها الذي يخول نفسه حق الاجتهاد، فتكون بذلك “حمالة أوجه” إذا تولاها العالم طارت به إلى النجوم جملة، وإذا ارتقى سلمها من لا يعلمه، زلت به إلى الحضيض قدمه، وسبحان من جعل العقول على مقاييس متدرجة وإن تشابهت المسميات والشهادات:

وكلٌ يدّعي وُصْلاً بليلى

وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا

وفي المدينة مخابر من كل صنف ولون وقائمون عليها من جنس عملها لأن الطيور على أشكالها تقع، ولكل من هبّ ودبّ على أرض المستشفى دورٌ معلوم لا يُستغنى عنه فلا الطبيب يمكنه تنظيف الحمامات ولا عامل النظافة يمكنه الحلول محل الممرضة المتمرسة الكل يخدم الكل أو كما قال الشاعر:

الناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ

بعض لبعضِ وإن لم يشعروا خدمُ

وبالنسبة للممرضات فإن لهنّ سوق عكاظ صباحياً يتبادلن فيه المهام بين نوبتين، المساء والصباح “استلام وتسليم” ومثل ذلك السوق ينعقد مرة أخرى مع المغيب، حيث يسود الهرج والمرج والشكوى أو الثناء على بعض المرضى، وتدقيق أوقات الدواء وكمياته، وأنواع الفحوصات ومواقيتها، ولأن مهام التمريض كثيرة ومتواترة فلا يتوقع المريض معاملة استثنائية كأن يكون مستغرقا في النوم فيغض الطرف عنه.. لا.. هذا لا يحصل أبداً لأنه يعطل دورة العمل “الصناعية” فالواحدة تهزك من لذيذ المنام وتشعل في عينيك الأضواء المبهرة قبل أن تحرق سفن النجاة وهي تقول لك ما قاله طارق بن زياد محرَّفا: النوم وراءكم والإبر أمامكم، وليس لكم إلا الصبر ومجالدة المرض، وفي أعقاب الممرضات تأتي فرق القوت تحمل الصواني على أساس أن “من هزم العيش هزم الجيش” كما يقول أهل اليمن، وربنا يعين المتعوّد على الملح والبهارات، بس غمّض عينيك وابلع، أما الفوائد المرجوة فما من شك فيها، بدليل أنني أنزلت من وزني 3 كيلو جرامات ما كان أحوجني إلى إنزالها.

ما علينا فإن وراء هذه المؤسسة إدارة ورقابة وعلى الرقابة رقابة، وقد شبهت قصة المتعاملين معها بفريق العميان الذين طلبوا منهم وصف الفيل فطلبوا بالمقابل تلمسه فمنهم من وقع على رجله وهي ما شاء الله كجذع النخلة ومنهم من وقع على الخرطوم ومنهم من وقع على الناب ومنهم من وقع على جلد الظهر المتجلد، ولك أن تتخيل وصف كل أعمى للفيل من موقع تلمُّسه إنه قد يكون أي شيء إلا أن يكون فيلاً مما خلق الله.. وسامحوني فحديثي اليوم للتسلية لأن صاحبي الألماني الجرّاح الذي قلت لكم أن في لسانه فصل الخطاب لم يشرِّف للزيارة رغم أنني قلت أمس أن الثالثة “ثابتة” ولكن ها هو اليوم الرابع يذرّ بقرنه فمتى أغني مع فيروز “طلعت يا محلى نورها.. شمس الشمُّوسة؟.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s