شرّدت حرائق كاليفورنيا حوالي مليون ساكن من منازلهم وتم إعلان سبع مقاطعات من بينها لوس أنجلوس وسان دييجو مناطق كوارث وقد احترق بصورة كاملة 1500 منزل، بينما تقدّر خسائر إصلاح المنازل المتضررة جزئياً بمليار دولار، وقال الرئيس الأمريكي الذي تحاصره النيران في كل مكان من العراق حتى طهران وصولاً إلى كوبا (إنني أريد الناس في منطقة جنوب كاليفورنيا أن يعلموا أن الأمريكيين في جميع أنحاء البلاد يهتمّون بأمرهم بشدّة) ونضيف فنقول إن النّاس في جميع أنحاء العالم يهتمون ويحزنون ويشاركون بمشاعرهم وتعاطفهم أولئك البشر الّذين يتعرضون للكوارث رغماً عنهم وليس أمامهم سوى الفرار كما هو الحال يوم القيامة بقوله تعالى (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ففي الأخير الإنسان هو الإنسان بجبروته وضعفه بطغيانه وإذعانه، بتهليله ودموعه فكم من أم باكية وكم من طفل مهلوع وكم من رجل لا حول له ولا قوة، تماماً كما هو حال الشعب العراقي الذي أشعلت فيه النيران عمداً وبفعل فاعل وترك لمواجهة قدره فتشرّد ثلاثة ملايين خارج وطنهم ومثلهم داخل وطنهم بعد أن أتت الحرائق الطائفية على منازلهم، ولم يعد أمامهم بمواجهة النار سوى النجاة بأرواحهم والتمثل بالقول (ا سعداً فقد هلك سعيد) وطبعاً ليس لدى بوش ما يفعله لهم في ظل سياسة (الفوضى الخلاقة) إن مشعلي الحرائق حول العالم معروفون وسيماهم في وجوههم من اَثار الدخان والسّخام، وهم يفرحون حين يروا الحرائق تكبر وتنتشر وتجتاح المناطق الاَمنة، ولا يصيبهم الهلع إلاّ حين تنتقل إلى ديارهم وممتلكاتهم و(كما تدين تُدان) ففي ذلك إشارات إلى أن الشرّ يعم وأول إصاباته تكون في صاحبه على الأقل على المستوى النفسي والأخلاقي، ومن دون شك فإن أمريكيين كثيرين من عامّة الناس الّذين لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة سيتذكّرون وسط المحنة معاناة اخوة لهم في الإنسانية بسبب حرائق السياسة والحروب وزعزعة الاستقرار التي تجري بفعل فاعل، وكانت صحف أمس الأول قد نشرت صورة معبّرة لسيدة أمريكية أحاطت ب (كوندوليزا رايس ) وهي في طريقها إلى مبنى الكونجرس الأمريكي وكانت يدا السيدة المحتجة على تأجيج الحروب ملطختين بالدّم كأنما تريد أن تخنق رايس التي بدا وجهها خالياً من التعبير كأنه قُدّ من جلمود، لأن الدّم كالنار أصبح يحاصر كل من تسبب بسفكه، ويمكن للقاتل خداع بعض الناس بعض الوقت ولكن لا يمكنه خداع كل الناس كل الوقت.
إن الرئيس بوش الذي اتجه إلى المنطقة المنكوبة ليس بإمكانه أن يفعل شيئاً أكثر مما فعله حوالي عشرة اَلاف إطفائي عمل بعضهم لمدة 48 ساعة متواصلة والبعض الاَخر لمدة 36 ساعة حسب ارنولد شوارزينجر حاكم الولاية الذي قال إن الحرائق الجديدة تضيء الليل في منطقة جنوب كاليفورنيا وإن إمدادات الكهرباء والمياه قد تعطلت بنسبة 50% تقريباً. . وهذا يدل على هشاشة بنية الحضارة الحديثة فكل جزء منها معلق في عمله على الجزء الاَخر فإذا ما سقط مسمار محوري تعطلت المنظومة.
إن تحالف النيران والرياح وما يجنيه الإنسان على نفسه متعمداً أو غافلاً هي من الاَيات التي تعجز الحضارة عن السيطرة عليها. وقد شهدنا مثل هذه الحرائق هذا العام في لبنان واليونان وإيطاليا تقابلها الفيضانات المغرقة في أماكن أخرى وسبحان من يطفئ بالماء ويغرق فيه.