عبدالكريم الرازحي – وعلى الأرض الحُطام

عبدالكريم الرازحي
عبدالكريم الرازحي

كلاهما يغصان بضيق الوطن وينعمان باتساع الحبس: عبدالكريم الرازحي يسمي الأشياء بأسمائها بخشونة يدي فلاح، يعرف انه شجرته لن تتجذر في الارض ولن تثمر اذا لم يُعمّق لها القبر ويزرع في ذاكرتها حلم الفضاء والانسام، ولذلك يعلمها الأسماء الحقيقية لا أسماء التدليس والاقنعة، الدكتور عبدالوهاب المقالح يقارب مداه الذي بل كاد يتسع لجناحيه،

بخلق فضاء موازٍ افتراضي يجد فيه موتة مشتهاة قد يسميها الحزن الذي يغنّي وقد يسميها دار السلام وهي في كل الاحوال ليست الدار في هذه الارض التي جُبلنا من ترابها.

في هامش مسحوب على هامش نص «مواقف الرازحي» نقرأ ان الشاعر عبدالكريم دخل سجن القلعة مرة لأنه شارك في مظاهرة، وأخرى لأنه رفض المشاركة، لذلك لن يبرأ من السجن حتى وهو خارجه، فهو يحمله معه مثل كفنه أينما سار، هو يلتقي السجّان ولكنه لا يلتقي صاحب السجن، إذاً لحاوره وسارّه وربما قصّ عليه بعض ما قصّت شهر زاد لشهريار ليقتلع من صدره عقيدة الموت، حيث المقتول لا يفنى والقاتل لا يهنأ، اما مع السجان فليس ثمة سوى شهوة التوصيف بين موتين وبين موقفين:

«أوقفني في قسم الشرطة، وقال لي: الشرطة في خدمتي، أوقفني في غرفة التحقيق وقال لي: الهراوة لغتي، أوقفني على حجر الكهرباء، وقال لي: لماذا كل هذا الظلام في الشوارع؟ أوقفني في ميدان التحرير وقال لي: «إياك الاقتراب من «باب الحرية».. أوقفني في «باب الحرية» وقال لي: كل الابواب تؤدي الى سجن «القلعة».. أوقفني في بوابة القلعة وقال لي: كلما ضاق الوطن اتسع الحبس.. أوقفني في باب الحبس وقال لي: لك كامل الحرية في اختيار الزنزانة، أوقفني في باب الزنزانة وقال لي: الحرية قيد.. وأنت الآن حر».

السجّان يتكلم وليس للسجين حق الاعتراض أو التعقيب.. يكفيه انه أُعطي حرية الاشعاع ولو كان الحكم اعدامه.. انها نعمة عظمى أن تتلقى عظة ما قبل الغياب المنفري صاحب المواقف الاصيلة كان يتلقى مواقفه عن ربه تخيلاً بما يتسق وثقافته العريضة وما يعتقده لدنياه وأخراه وهو القائل كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة، والذي تحوّل في سخرية صاحبنا الرازحي الى كلما ضاق الوطن اتسع الحبس.. ألم تلاحظ ان الحضور كله تم اختزاله في مواقف الرازحي ما بين قسم الشرطة الذي وضع نفسه في خدمة الشاعر طبقاً لوظيفة القسم، وما بين حرية اختيار الزنزانة النقيض للحرية التي يبحث عنها العصفور ومع ذلك كرماً وأريحية مُنح حرية الطيران في القفص والتغريد ان شاء.،

عبدالوهاب المقالح الذي شارك الرازحي صفتهما المشتركة كزنزانة مشتركة في «كتاب جريدة» ضمن مختارات د. عبدالعزيز المقالح من ديون الشعر اليمني في الربع الاخير من القرن العشرين، يمارس الوضوح بتجليات الاشياء المحايدة التي لا غبار عليها ولا خلاف حولها بما يشبه المعنى الذي نطق به شاعر مقتول في الناس ومن الناس «ما اطيب العيش لو ان الفتى حجر. تنبو الحوادث عنه وهو ملموم، وان عبدالوهاب يتشبّه ولكنه لا يشبّه، وشتان بين المعنيين، فالشبيه يتخلى عن هويته، والمتشبه يؤكد ذاته وينتزعها انتزاعاً من التنبؤ: «أنا واضح كالليل، أو كالبحر أو كالصخر أو كالكهرمان، وأنا خفيف الريح في اشجان هذا الليل… مرحاً يدغدغني السؤال.. لا شيء يُشبهني سوى حزني، وافراحي طيور الغيم، جاثمة على سفح المحال» في مقابل يدي الفلاح الخشنتين عند الرازحي نتلمس لدى عبدالوهاب المقالح يدي جرّاح ناعمتين حالمتين حتى في نهنهة الموتة المشتهاة على بؤسها: «لا شيء يدهشني كومض البرق او اشراقة المعنى، احيا، -حينما احيا بذاكرة الزهور.. وأموت- حين اموت كالشبوط في طرف الغدير» ما علينا من «حينما» و«حين» المعترضتين فهما يعنيان «قلّما» و«كلما»، ولذلك يغلق الشاعر ستار المسرح ليختم: «تعبت يداي من الكلام وتعبت من عدّ النجوم المطفآت، تعبت من حزني وأوهام السلام».. لا شيء كالموت يشبه كل شيء حيث المجد لله في الأعالي وعلى الارض «الحطام»..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s