طوبروا تصحوا ..!!

دُعيتُ لحضور الإحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963م في مدينة عدن، وكنت بمعية جموع غفيرة جاءت من مختلف المحافظات اليمنية لسماع خطاب الرئيس علي عبدالله صالح، وعندما سألني صديق عن انطباعاتي بعد أن خرجت سالماً غانماً كأنني خضت غمرات رمي الجمرات في مناسك الحج، حيث من سقط تحت الأقدام تدعو له أمه بالرحمة، وقد كان أن أسقطتني الجموع المتدافعة المستنفرة بلا معنى ولا هدف على صف من الكراسي حمتني من أن تتحطم عظامي، وإن كادت رجلي اليمنى أن تسلخ من أعلى الفخذ، والله إنني كنت أضحك على هذا البلاء الذي ما بعده بلاء وأنا أتلقى الموجة بعد الموجة، ولا حول لي ولا قوة، وأتصور معاناة الشيوخ الذين جاءا بعصيّهم وعمائمهم المونة ووهن أجاسدهم للمشاركة في البهجة والفرح وسماع الكلمات… قلت لصديقي المثل العربي “لو درينا ما سرينا”. وعسكرنا ليس أشطر منهم، في البدء وهم يفتشن عن السلاح ويسيرون الباصات من ملعب كريتر، أما بعد ذلك فلا علاقة لهم بأي شيء اسمه نظام، وحين انفض سامر الإحتفال تركت الجموع على هواها تجري على الحافلات، وعلى العاجز والمُقعد والمريض أن يدبر حاله. وكانت إلى جانبي الأخت المناضلة (فوزية جعفر)، بالكاد تمشي بسبب قلبها المريض، وذكرت لي أنها قد مرت بالقرب من سكرات الموت في لحظة الدخول، والآن تبحث عمّن يوسلها إلى حي العريش في أطراف المدينة، قلت لها: “أنا يا سيدتي، ولكن سيارتي في ملعب (الحبيشي)… ولا أدري لماذا لم يُسمح لنا بإدخال السيارات و(حُقات) على البحر تتسمع لمدينة كريتر بقضها وقضيضها؟!”، المهم شدت العربان من الشبان وبقي العجزة، وأضعت فوزية، وقد لمحني الصديق (محمد الجهراني) – رعاه الله – بعد أن تشعلق بباص عسكري، فدعاني وهو يقول لهم: “الدكتور، الدكتور فضل… يا عيباه…”، ونفعت الحيلة، لأني لست دكتوراً، والحمد لله توقف سائق الباص وصعدت وأنا بالكاد أتنفس، الجو خانق، وكانت الحافلة كعلبة السردين، ولكنها بدت كقاعة (فلسطين) قبل الزحام، يا رحمة الله، شمعة تهزم عالماً من الظلام:
لا يعرف (الموت) إلا من يكابده=و(الحنابة) إلا من يعانيها
مع الإعتذار للشاعر… قلت لنفسي ما قاله اليهودي الذي شبع ضرباً في مكة “هي مكة وأنا سعيد اليهودي”، يعني أنه لن يعود إليها… غلطة ولن تتكرر، ولقد مررت بمثلها فلم أتعظ، وتبسّمت وأنا أتذكر (فوزية) وهي تقول لي قبل أن نضيّع بعضنا: “أكتب عن الذي أخذونا لحماً ورمونا عظماً”، قلت لها: “أولاً أنا لا أكتب عن أصحابك، فقد مضوا إلى مصائرهم كابراً عن كابر، ثانياً ما شاء الله كلك لحم… وكما يبدو لي أنهم رموا العظام وهذا أخطر”، ضحكنا على أساس أن “شرّ البلية ما يضحك”، لو سلمت على الرئيس لهمست في أذنه بما جرى وكيف أن العملية تحتاج إلى إعادة نظر، فلن ينهض وطن بلا نظام، فكيف إذا كانت النخبة هي هذا النظام والعياذ بالله، … وفي مايو الماضي لم أستطع الوصول إلى (إب) لأن الدخول إلى الجنة كان أيسر وأكثر تبسيطاً، أما في (المكلا) فقد كان النظام في مطارها عند المغادرة والعودة إلى صنعءا بعد احتفالات مايو 2007م كنظام الغابة، الكبير يأكل الصغير، مع الإحترام لجميع حيوانات الغابة التي إن أجفلت أو هجمت بالآلاف فلن ترى عيناك غير النظام الحقيقي.
متى سنصلح، ومتى سنتعلم الوقوف بالطابور، علماً أن مدينة (عدن) بالذات “طوبرت” 23 عاماً، حتى تعلمت الحجار أن تقف مع البشر، فمن وضع حجرة ذهب ينام آمناً مطمئناً، وعندما يعود يجد مكانه في الطابور كما هو، أنا لم أهتم كثيراً بالكلام الذي يقال والذي قيل والذي سيقال، فالكلام ليس عليه جمارك، ولكنني مهتمٌ جداً بحال الإنسان، وما رسخ في جمجمته من تجارب وتعاليم الزمان.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s