كانوا يقولون، أو هكذا كنّا نظن أنّهم يهاجرون من بلدان الشمال بحثاً عن الشمس التي لايرونها إلاّ لماما في بلدان الجنوب، ولكنّ الأمر تكشف عن غير ذلك، فقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة (يوغاف) ونشرت نتائجها صحيفة (ديلي ميل) البريطانية أن واحداً من بين كل ثلاثة بريطانيين يفكر جدياً بالهجرة إلى الخارج بسبب الضغوط المالية، مشيرة إلى أنّ حوالي 200 ألف شخص غادروا بريطانيا العام الماضي للعيش في دول أخرى.
إذاً الشمس بريئة ممّا يقولون وممّا توهّمنا، وكما كتب الطّيب صالح روايته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشّمال) عندما كانت بريطانيا مقصد وحلم البؤساء في الجنوب فإنّنا ننتظر من يكتب لنا (موسم الهجرة إلى الجنوب)، ذلك أن مهاجري الغرب يعدّون من فئة (السوبر ستار) والنجوم السبع، ولهم القدح المعّلى في بلدان الشمس ، يحظون بأعظم الرواتب والامتيازات، ويكفي الواحد منهم أن يرطن بالإنجليزية ليجد ألف حضن دافئ يحتويه، الجنوب لا يميزّ وإن ميّز فلصالح الوافد من الغرب لكي ينعم بالأمان والضمان والاستقرار والهيلمان دون أن يكلّف نفسه عناء تعلّم لغة البلد أو معرفة عاداته أو الانغماس في ثقافته، على أن يكون غربياً خالصاً، فالعربي حامل الجنسية الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية سرعان ما يتم ضبطه متلبّساً (وفين يوجعك) وما من شافع له لدى بني جلدته، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ.
* أحمد فؤاد نجم (79) سنة أدخل المستشفى في القاهرة إثر جلطة دماغية، والرجل يسحب وراءه تاريخاً مديداً من النضال بالشعر والموقف والتحريض على مواجهة القوارض البشرية التي تلّوث الحياة وتفقر الإنسان وتنحرف بتضحيات الشعوب وقد تعّرفت وزملائي في الجامعة إلى أحمد فؤاد نجم ورفيق حياته الشيخ الضرير إمام عيسى عقب هزيمة 1967، فقد كان الاثنان من بين المشاعل التي أفرزتها الهزيمة، الأول يكتب الشعر والثاني يلحنّه ويغنيّه، ومعهما كنا نغني جميعاً لينزاح القبح وتشرق شمس الكرامة، وقد اُختير نجم مؤخراً كسفير للفقراء في منطقة الشرق الأوسط من قبل إحدى المنظمات التابعة للأ· المتحدة إلى جانب الزّعيم نلسون مانديّلا. . نتمنى له الشفاء العاجل ليواصل كفاحه النبيل شاعراً مجيداً ونصيراً للفقراء وهو من بين أفقرهم.
* اتّهمت هيئة محلّفين ثلاثة من متعهدي الجنازات في (فيلادلفيا) بالولايات المتحدة بتقطيع أكثر من ألف جثة في ظروف غير ملائمة صحياً، وباعوا الأعضاء إلى أطباء زرعوها في أجسام مرضى، وقد كوّن الثلاثة ثروة من وراء هذا العمل البشع وغير القانوني قدّرها مدّعي مقاطعة فيلادلفيا بحوالي أربعة ملايين دولار.
ولأن الموتى لا يتكلمون ولا يرفعون الدعاوى القضائية فقد انتهكت أجسادهم على هذا النحو المريع، الذي يؤكد أن تجارة الأعضاء البشرية أصبحت منتشرة ولها مافيات لا تتورع حتى عن مطاردة الأحياء وسرقة أجزاء من أجسادهم تحت التخدير وبالخداع، إذا ما وجد المشتري الذي يدفع بسخاء، فأين يهرب الإنسان؟ فالموت نفسه أصبح غير اَمن ممّا يذكّرنا بقول الشاعر: هم يحسدوني على موتي فوا أسفا حّتى على الموت لا أخلو من الحسد * في حادث معاكس للتعدّى على الأموات حصلت موظفة في أحد مطاعم (ماكدونالد) بشيكاغو على 6 ملايين دولار تعويضاً من الشركة بموجب حكم قضائي لتعرّضها لتفتيش جسدي من قبل شخص ادّعى أنه شرطي، قائلاً إنه يشتبه في أنها قد تكون سرقت حقيبة يد.
ويبدو أن هذا المدّعي يستمتع بلمس النساء ورؤيتهن يخلعن ملابسهن لأنه كرر فعلته الحمقاء المريضة في أكثر من 60 مطعماً تابعاً ل (ماكدونالد) في ولايات عدة، وهذا سيفتح الباب لمطالبات لا تنتهي، فالقضاء الأمريكي لا يلعب النّرد، وقد كان ذنب الشركة عدم تبليغها رسمياً عمّا جرى في محلها، والسؤال هو: لماذا (ماكدونالد) بالذّات؟