التّاريخ المُختلف عليه بين المتصارعين في كل زمان ومكان هو مجمّع المتناقضات ومقبرة النفايات، يهرع إليه الفاشلون والناجحون بمقاييس زمنهم فيوسّدهم جنباً إلى جنب غير عابىءٍ بمن أحسن ومن أساء ومن أعطى ومن منع، وله في ذلك فلسفته التي لخّصها أبو العلاء المعري: ربّ لحدٍ قدْ صارَ لحداً مراراً ضاحكاً منْ تزاحم الأضداد وذلك يعني أن البشرية التي تلد للموت وتبني للفناء كما يقول أبوالعتاهية تعيد باستمرار تجربة ابني اَدم هابيل وقابيل، وهما أول ثمرة حملت التضاد ورسمت خطوط اللحود، ولذلك فإن الأرض تضحك من غفلة الإنسان وتفضيله الضّلال على الرّشد في سبيل الغرور.
يقول داعية اللاّعنف العربي الولادة الكندي الجنسية (خالص جلبي): (إن للإنسان جلد تمساح وبرقع نمر ودرع سلحفاة وناب أفعى، وهو لم يدخل الحضارة إلاّ منذ ستة اَلاف عام وسوف يبقى البشر يخافون ويرغبون ويطمعون أن يكدسوا من الأموال جبالاً ومن العسل أنهاراً ومن الخمر أدناناً حتى يأذن الله بخروج الإنسان الإنساني).
أمس الأول تحدثت الاَنسة كوندوليزا رايس إلى وكالة (رويترز) حول التاريخ المُفترى عليه والّذي تأمل أن تحصل في حديقته على أريكة مريحة تتمرجح عليها في مهب الأنسام وقد خلص ضميرها من الأوشاب التي يتهمها بها الأوغاد بينما هي براء من كل ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وبعد أن أعربت عن فخرها بغزو العراق واحتلاله قالت (إن التاريخ ربما سيكون أكثر رأفة بي من منتقديّ الحاليين).
مرة أخرى يفعلونها في الحاضر ويحيلون الحساب والعقاب إلى التاريخ حيث لا أحد يحاسب أحداً، وحيث ينام هتلر إلى جانب تشرشل في أمان المقابر وسكينتها.
وقد سرحت كوندوليزا قليلاً واضعة ساقاً على ساق كما هو ديدنها عندما تتأمل التاريخ بأثر رجعي وقالت (أثق تماماً بأن عناوين الأخبار في الحاضر وحكم التاريخ نادراً ما يثماثلان، ولست قلقة بشأن سجل أعمالي، إنما أنا قلقة بشأن ما علينا أن ننجزه ولم يبق أمام الإدارة الحالية سوى 14 شهراً). هذه هي القصة دائماً كما هو حال المحالين إلى العدالة الإلهية الذين يعتقدون أنهم لم يلبثوا في الدنيا سوى يوم أو بعض يوم، حيث لم يتمكنوا من إنجاز الأعمال الخيّرة بعد أن غرقوا في السيئة، والسيدة الوزيرة غير مبالية بولايتين رئاسيتين لم يتم إنجاز عمل خير فيهما وإنّما تذرف الدموع لأنه لم يبق سوى 14 شهراً، ويبدو أن هذا سرّ اهتمامها بالتاريخ المفترى عليه.