التقرير

تقرير بترايوس – كروكر المقدّم إلى الكونجرس الأمريكي حول أوضاع العراق لم يأت بجديد أكثر مما يعرفه أيّ مخبول في شوارع بغداد، طار عقله من عنف التفجيرات وتطاير الأشلاء والدّماء، وأكثر ممّا تعرفه الحكومة المسجونة في المنطقة الخضراء والتي انبرت للمساندة فأورد رئيسها أرقاماً عن الإنجازات تُضحك ربّات المجال البواكيا لفرط سذاجتها ومفارقتها لواقع الحال الغارق في المُحال، وهكذا تمخّض التقرير الذي طال انتظاره كما تمخّض ذلك الجبل الذي ولد فأراً في المثل المعروف.

المسألة من أوّلها إلى اَخرها كانت مصممّة لكسب الوقت وإسكات المنادين بالخروج من المستنقع ولو إلى حين ولعلّ الزيادة في القوّات التي شحنت النفوس المُثارة أصلاً بالفجاجة التي أديرت بها الحرب، قد تحقق شيئاً يمكن تقديمه كبارقة أمل إلى الرأي العام، ولكن، ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه، فقد امتصّت بغداد عديد الجنود الأغرار كما تمتص ّ أراضيها الخصبة زخّات المطر، لأن من تعوّد على الأنهار لا يبالي بالأمطار، وقد استمرّ شخيب الدّم من الأوّلين والاَخرين وكان اَخرهم تسعة جنود قتلوا أمس الأول، دون أن يسمّي عليهم أحد، لأن الصفّ الأول من القيادة في واشنطن يتقاتلون منذ الاَن على كرسي الرئاسة الذي يترنّح تحت (بوش ) الذّي لم يحصل سوى على 5% في استفتاء حول الجهة المؤهّلة لإنهاء الحرب في العراق، وجاء الجيش في الطليعة يليه (الكونجرس ) الّذي يحاول أن يضرب بعصاه حجر الجهالة لعلّها أن تتفجر اثنتي عشرة عيناً تتوزّع البؤر الأمريكية حول العالم قبل أن تغرق الأزيار في الأبيار ويُطبق الحصار على الأغرار، حيث تحدّث بعض جهيري الصّوت في الكونجرس أن القوّات الأمريكية قد أصبحت رهينة في العراق وبيد حكومة المالكي بالذات، فالجيش الأمريكي عاجز عن الإنتصار وممنوع من الاندحار والعودة إلى الديار، لأن المحافظين لا يتخيلّون أن تكون نهايتهم على هذه الشاكلة المأساوية التي ستحول بينهم وبين العودة إلى مركز القرار حتى يشيب الغراب ويفنى الترّاب، فالحظّ إذا ابتسم مرتين فواحدة لمن يظنّهم أذكياء قبل أن يختبرهم، والثّانية لمن تأكدّ له أنهم بلهاء بعد أن يغرقوا في شبر ماء، مثلما هو حال الإدارة الحالية التي كلّما خرجت من حفرة وقعت في بئر.

امّا الحديث المكرور للجنرال والسّفير حول أن إيران ستكون المستفيد الأول من أيّ انسحاب أمريكي وأنها ستضمّ العراق إلى إمبراطوريتها العقائدية بالكامل، فهو يقع في باب (تجهيل المعرّف)، فمنذ اللّحظة الأولى التي أُتّخذ فيها القرار بقلع طالبان في أفغانستان وتكسير عظام صدام حسين في العراق، كان معروفاً ومرئياً حتى للعميان أن إيران ستسعى إلى ملء الفراغ، ولو لم تفعل ذلك لسعى إليها الفراغ يطلبها، فإن لم تفعل كُتبت في الخائبين، ذلك أن السياسة كما هي فنّ تحقيق الممكن فإنها فن اغتنام الفرص والاستفادة القصوى من أخطاء الاَخرين.

ما علينا. . لقد تحوّل التقرير الذي كان يفترض أن يكون مرهماً إلى جرح جديد وعلى طريقة (جاء يكحّلها. . فعماها).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s