أثبتت قصيدة النثر اليمانية في مختارات د. عبدالعزيز المقالح ل«كتاب في جريدة» انها غادرت اقليم النثر الساذج والاعتباطي وأوغلت في الشعرية كمن يغادر السواقي الى البحار العريضة:» ومن قصد البحر استقل السواقيا- كما يقول المتنبي الرائد في كل العصور لان غزواته وفتوحاته اصابت مقتلاً من المآخذ السهلة لشعراء الكسل الابداعي والترف الاتباعي،
وقد افتتح النصف اليماني من «كتاب في جريدة» عدد أغسطس 2007 بنص المخضرم عبدالودود سيف «سيرة النرجس» وهو من هو في عالم النحت الكتابي كأنه حامل صخرة «سيزيف» جهاد في الصعود وفي النزول، ونقش للمعاني على أكنة قلوب غافلة، لكأن الشعر هو المنفى والبعث في آن أو لكأن القصيدة هي عود الثقاب الذي يشعل قش الواقع السكوني المريض:
«هذا يوم بمائة الف سنة مما يعدون، لا كالح «ولا مترب» ولا لجوج.
أرى اسمائي تفر من اسمائي، ويطبق عليها الرمل تحت اليتيه.. كل اسم ضريح لخيمة تقطنها أمة من القطعان واحجار السائمة. كل ضريح يدان لساعدين يمسكان بخيط الدم، ويغزل وبر الجفاف المسافر بين قضيب الوتد، ورحم الخيمة. وأنا برق يتلظى بنيازكه ويحرق».
لا حظ كثافة اللغة وبكارتها واستفاداتها الخاطفة من النص المقدس لايقاظ معانيه في نفوس تشربته منذ مئات السنين ثم حولته الى اعتياد خارج المعنى:
«لقد آن زفاف البحر للحجارة، ولتدخلن كل نفس في حشرجتها، وتنظر من بعد كيف يطمر في اليباس زهر الطوفان».. كأنني على موعد لرعي إبل سائمة، اذن دعوني اطبق على صخرة هذا الفضاء من الجذع الى العنق، وانحت في نتوءاته قنفذاً، فان رأيته يزهو سأقول لكم: هذه خمركم ردت اليكم».
ونأتي الى قصيدة المخضرم أيضا «حسن اللوزي» المعنونة «ابحث عن ذاكرة جديدة» فنجدها تسبح وتستبح في المناخات العبد الودودية نفسها لكان الشاعرين وجها عملي وهي من شعر التفعيلة شفافة غزلة مستقبلية الهوى دافئة كجسد راعية عذراء تستكن من المطر في «ديمة» على رأس جبل، تجتلي» بما يفيض من نبوة الكلام، باحرفٍ نظيفةٍ من وسخ الأيام والعصور، طهورة من سبخ الافكار والأسماء، ومن نجاسة الدسائس الملونة».
وتظل النبوءة هاجس الشعراء، وهي مولودة الحلم المستحيل، وشوق الروح الى الرحيل، يقاربونها مقاربة الفراش للنار، ويخطفون قبسا منها لتشتعل اللغة والا ولدت الافكار ميتة، ففي أوانيها العتيقة تبدو اللغة مستنفدة» ولا بد من صهرها يسري النسغ في عروقها كما يسري في عروق الاشجار، ونواصل مع حسن:
«لو ان لي ذاكرة الطحالب المعمرة.. لو أن لي ذاكرة الاصنام والمنجمين.. كنت استطعت في المدى الذي اخترقته في باطن الجدار، ان افك كوة صغيرة اليك.. ان اكون عطرك الزكي ومشطك الثمين»، إن لو هي المعادل الشعري للذي يأتي ولا يأتي، يأتي في الاغفاءة ويهرب في اليقظة كما عند أحمد قاسم دماج في نصه التفعيلي «انصباب الياقوت في السد»: الجبال امتشقت ما ترك العابر من خطو ومادت.. الجبال استرجعت في لحظة الصفو مضامين الحياة.. الجبال امتشقت ذاكرة الماء فقامت للصلاة.. الجبال انتخبت قاماتها عند امتلاء الذاكرة.. بنشيد الفارس الذاهب في الغيب الذي ياتي ولا يذهب اذ تاتي الثواني».. وهكذا نرى انه اذا كانت وظيفة النثر والعقل الوصول الى اليقين فان وظيفة الشعر والخيال ملامسة تخوم اللايقين.