تداعى نفر من الكتاب والمثقفين العرب يعولون ويلطمون ويحثون التراب على رؤوسهم ورؤوسنا بسبب الحكم القضائي الذي صدر في مصر بالحجز على اثات شقة الشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي وبيعه بالمزاد لتسديد حكم قضائي بتغريم الشاعر عشرين الف جنية لقاء اضرار معنوية لحقت بالشاكي الشيخ يوسف البدري
الذي وصفه عبدالمعطي في مقال بما معناه انه من الظلاميين الذين يطاردون التنوير والتنويريين الامر الذي بدا للشيخ المتخصص في رفع قضايا الحسبة ضد كل من هب ودب على ارض الكنانة من الكتاب والمؤلفين قدحاً في ذاته وقذفاً في كينونته الذي هو ممتلئ بها حد الفيض، كيف لا وهو يرى نفسه التنويري الاول، ولكن من زاوية غير التي ينظر منها حجازي، وكل واحد حر في المصباح الذي يحمله ليرى بنوره طريقه في الظلام العربي الدامس، والحق ان حجازي الذي رفض تنفيذ الحكم الجزائي الاول كموقف شجاع في الدفاع عن حرية النقد لا حرية القذف قد سجل سابقة لما هو أكثر من الكلام وابعد من الاستسلام، و بدون شك فانه كان يعرف ان الامر لن يقف عند رفضه فهناك ضبطية قضائية تتابع تنفيذ الاحكام، فقرارات القضاء تشبه قرارات مجلس الامن فهي تنمو بصورة تراكمية نصاً على نص وصولاً الى القضبان، و لا فرق عندها بين زيد وعبيد، فالمهم هو منطوق الحكم وليس اسم المحكوم.. والذين اعولوا ولطموا وحثوا التراب بعد ان تداعوا على منابرهم، يضيعون على حجازي متعة بث قبس من الروح المقاتلة في هذا الركام الهائل من القش الادبي والكتابي الذي يتقهقر عند اول هبة ريح من نقيضه، وقد رأينا كيف استغفر نجيب محفوظ لطاعنيه من الخلف من عتاة الجهلة الذين يحكمون بالسماع، وكيف مضى نصر حامد ابو زيد مع زوجته الى اسكندنافيا بعد قرار ببطلان زواجهما، وضرورة تفريقهما بسبب نص ادبي، وقس على ذلك كثيرين بين الماء والماء من المحيط الى الخليج، حيث الحرية مقيدة بأن لا تقول شيئاً وقد قال د. يوسف ادريس قبل وفاته ان كم الحرية المتوافر في العالم العربي بأسره لا يكفي لكاتب واحد، وهذا الكم المقطر بسعة فم الرضيع بحاجة الى من يفضحه بالقول والممارسة والتصدي والمواجهة لكي تنمو شجرة الحرية ويحترم البحث ويشتد أزر النقد والرأي والرأي الآخر، ولكي يعاد النظر في القوانين التي تخرج من أضابير القرون الوسطى وأتربتها لتطبق على القرن الواحد والعشرين، لقد تأخر عرض اثاث منزل الشاعر في المزاد بسبب الاستئناف، وقيل من ضمن ما قيل ان اثاث البيت مكتوباً بإسم زوجة الشاعر، وهذه كلها تفاصيل خارج الموضوع، ولو كان الامر استرحام الحكومة او استدرار عطف الرأي العام لكان من الاسهل جمع العشرين الف جنيه، ويا دار ما دخلك شر، القضية من نوع «ان تكون أو لا تكون ذلك هو الموضوع» ورجائي الى النواحين ان يكفوا، فصاحبهم وصاحبنا حجازي أدرى بما يريد، فلا تفسدوا عليه ما في رأسه.. رجاء..