كل خميس:صعود الجبال

دأئماً.. أتصفح الأخبار العلمية في الجرائد بشغف شديد، فالفتوحات الحقيقية للبشرية المعاصرة هي في هذا المجال تحديداً، والتاريخ المستقبلي سينحاز الى العلماء أكثر من الزعماء، ويبدو أن المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون والفارابي والإشتراكيون العظام ستتحقق حين تلتقي جداول العلوم المتدفقة من منابع العقل ومختبراته مع الضمير العام للإنسانية المتاخية بعيداً عن مجانين الحروب ومسعري الحضارات والمتعصبين اللذين يرون كثيراً ولكنهم لايرون أحداً سواهم في الحقيقة.

وكم تمنيت- كصحفي- ان تفرد الصحف أجنحتها لشموس العلوم التي تشرق من كل مكان وأن يكون في الصفحات الأولى والأخيرة تحديداً مواقع بارزة ومخدومة لأخبار العلم وانجازاته حيث تحمل وكالات الانباء دفقاً لاينضب بامكانه ان يحل محل اخبار السياسة المثيرة للكآبة والتشاؤم، ولأول مرة في التاريخ تتسابق أمم كثيرة على المنافسة العلمية الدؤوبة في الوقت ذاته كأن الكرة الارضية تحولت الى ملعب للتنس الجماعي يتم فيه تبادل ضربات الكرات العلمية على مستوى اللاعبين السوبر، ولابأس ان كنا كعرب في مدارج المتفرجين فسيأتي وقت ليس ببعيد، نعرف فيه وضعنا المزري، وقد يقرر بعضنا وهم الطلائع النزول الى أرض الملعب لتجريب حظوظهم، فعقولنا لاتنتمي الى فصيلة القرود- حاشا الله- ولنا باع وذراع في حضارة الانسانية ولكننا فقط خاننا التوفيق لفرز صالحنا من طالحنا، وترتيب أولوياتنا بمايخدم تقدمنا ضمن ركب الانسانية الصاعدة الى الاجرام السماوية، ومتى استطعنا مجاهة النفس الأمارة بالسوء، وهو جهاد لو تعلمون عظيم، فساعتئذ سنضع أول أقدامنا نحو أول احلامنا وهو اعادة بناء الأجيال الجديدة على نسق الدنيا التي تتحدانا، والأمم التي تتقدمنا، وسنغلق جامعة العرب المهترئة بالضبة والمفتاح و«ملعون أبو كل باني» على حد قول المغني اليمني «عمر غابة» ونفتتح جامعة جديدة للعلماء والنبهاء ورجال الأعمال والموسيقيين والرياضيين والروائيين ومطوري البرمجيات.. كفانا هدراً للزمن المقصوص من لحومنا، وكفانا هذراً ينز كالصديد في عقولنا، وكفانا فضائيات تافهة تبث الدجل والشعوذة وتخدر النفوس والهمم، ولأن الكلام دون عمل غير مفيد، فإن الذين يجدون في نفوسهم الطموح والاشتياق للحياة الجديدة ان يبادروا الى تنظيم صفوفهم وتوحيد جهودهم والبدء بالبذار في موسم الأمطار وما أن يأتي الربيع حتى يجدون أمام نواظرهم ملايين الأزهار، وهذا حد قوانين الحياة التي نغفل عنها، فكل أمر يبدأ فكرة فعزيمة فعملاً أولياً من نقطة الصفر أو من تحتها أو من فوقها بقليل ثم لايلبث ان ينمو ويتعقد ويتحول حتى يصبح جدولاً فنهراً فبحراً فمحيطاً تتعدد فيه التخصصات وتكثر الموارد وتتألق النجوم، تحرك ولاتنتظر غيرك حتى يتحرك فتقتفي خطاه، دع الريادة لك، وستجد على الطريق الكثيرين يحبونك بمحبة ويطلبون ان يكونوا معك ضع عينيك على قمة الهملايا، ولاتنظر الى الحفر حتى لاينطبق عليك قول الشابي:

ومن لايحب صعود الجبال

يعيش أبد الدهر بين الحفر

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s