فرج بن غانم..

فرج بن غانم
فرج بن غانم

توفي في جنيف عن 70 عاما الشخصية الوطنية اليمنية المرموقة الدكتور فرج بن غانم رئيس الوزراء الأسبق الذي طلّق السُلطة طلاقا بائنا لا رجعة فيه عندما وجد مركبه وسط أمواج عاصفة لا يٌٌسمع فيها نداء للربان وذلك في شهر مايو 1998، فتقدم باستقالة غير مسبوقة حين وجد برامجه للإصلاح في مهب رياح المصالح المتناقضة ومراكز القوى وخاصة لجهة ضبط الانفاق العام وبذلك ضرب مثلا في نزاهة الضمير وطهارة اليد والتحلي بالشجاعة الأخلاقية والمعنوية بإعادة الأمانة إلى صاحبها ، ليرى من يصلح لها بمغرمها ومغنمها، فالسُلطة في اليمن كما يردد الرئيس علي عبدالله صالح باستمرار مغرم وليست مغنما ، ورئيس الوزراء يحتاج في اليوم الواحد إلى جميع ساعات الأسبوع لينجز أعمال (القرطاسية) التي تتراكم على مكتبه كأنها عواصف الربع الخالي حين تبني الكثبان ما بين غمضة عين وانتباهتها ، ناهيك عن المراجعات من قبل المرجعيات والمواطنين والتي لا أول لها ولا آخر وهي لوحدها تحتاج إلى رئيس وزراء مساعد مع طاقمه.

وما كان للدكتور فرج بن غانم الرجل المنضبط المنظم الحريص على الوقت البعيد عن المجاملات الغيور على المال العام ، والناظر بعين السوية إلى الجميع ، أن يشق طريقه وسط هذا الزحام ، فآثر الرحيل المبكر بعد عام واحد من توليه رئاسة الوزراء و(بيدي لا بيد عمرو) كما يقول المثل فالمرء حيث يضع نفسه ، ووفقا للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فإنه (لا رأي لمن لا طاعة له).

ابن غانم الذي أحبه واحترمه اليمنيون على اختلاف مشاربهم وتباين أمزجتهم ، احترم علمه ، ولم يفرط بقيمه:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

ولو عظّموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا

محياه بالأطماع حتى تجهما

كان فرج من النفر القليلين في هذه الدنيا الذين ترى سيماهم على وجوههم رصانة علم ، وبساطة تواضع، واطمئنان نفس وثقة حق ، ونبل سجية، لم ينسها أهلنا في السودان الذين درس في بلادهم فهم يحدّثون باستمرار عن الفتى اليماني المتفوق بامتياز في كل مراحله الدراسية والذي تنبأوا له بدون تردد أنه سيكون أحد أعمدة بلاده ووجوهها التي تفخر وتفاخر بها، ومنذ تولى فرج منصب نائب وزير التخطيط في عدن ثم وزيرا للتخطيط كان من الواضح أنه شخص مختلف عن كل أولئك الذين جاءوا من حمّى الصراعات ومصائد المؤتمرات الحزبية، وجسّد بسلوكه نموذج (التكنوقراط) في مواجهة (الحزبقراط) إذا صح التعبير ، فالأول يمثل الاتجاه المديني العلمي الذي يتعامل مع الواقع الموضوعي من أجل تطويره، والثاني يمثل الاتجاه النخبوي المتحكم المنطلق من الذات دون مبالاة بالموضوعي ، ولذلك دائما ما يصل إلى الطرق المسدودة ، رحم الله فرج بن غانم الذي ينطبق عليه قول ابي حنيفة : إن لم يكن العلماء أولياء الله في الأرض فليس لله فيها ولي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s