تبادل الغباء والجنون. .

مثلما عملت أمريكا بغباء تاريخي لا مثيل له لخدمة مصالح إيران في العراق، والمنطقة عموماً، تقوم الجمهورية الإسلامية الاَن بالدور نفسه في الخليج والمنطقة ولصالح أمريكا، وهكذا تنقلب الأدوار، وتتبدل الأقدار. . كيف؟ الغباء الأمريكي معروف وموصوف فقد أعمتهم الشجرة عن رؤية الغابة، وقالوا نبدأ بالعراق، ونثني بإيران وسوريا، مفترضين أن الاَخرين أو المستهدفين سيقعدون بلا حراك ولا حول ولا قوة منتظرين الانقضاض الأمريكي المحتوم، ولكن حسابات البيادر كذّبت حسابات الحقول، فتحركت كلw من إيران وسوريا، بتصميم (يا قاتل يامقتول) و(ياروحي ما بعدك روح)، فإذا بالعراق هو ساحة الحرب سميها ماشئت، علنية خفية، مذهبية، طائفية، وكان للأمريكان النصيب الأوفر من اللطم، حيث جنودهم تحت مرمى النار على مدار الساعات الأربع والعشرين، وجرى إبطال وتحييد القوة النارية الهائلة للقوة الأعظم على الأرض ، ففي حرب الشوارع وقنابل جوانب الطرق لايمكن استخدام الصواريخ الاستراتيجية والمدفعية العابرة والطائرات المغيرة، ناهيك عن القنابل الذرية التكتيكية، وهكذا أصبحت المواجهات متكافئة نوعاً ما، فإذا كان لدى الأمريكان أعتدة مبذولة مهولة، فإن لدى مناوئيهم المعرفة العميقة بالأرض والتواصل مع السكان الذين هم بمثابة البحر للسمك، إضافة إلى ما يكفيهم لإيذاء الجنود الرازحين تحت الأثقال والمشتوين بشمس الصيف وزمهرير الشتاء، وهذا التكافؤ مع الفارق يذكرنا بمقولة أمريكا أيام الحرب الباردة أن لديها من الأسلحة النووية ما يمكنها من تدمير العالم عشرين مرة، فرد عليها أحد الزعماء السوفييت بالقول: إن لدينا ما يدمر العالم مرة واحدة، وهذا يكفي. . خلاصة الأمر أن القوات الأمريكية التي أخذت تغرق رويداً رويدا، وفق قانون تدرج الأعماق لم تجد العون الحقيقي من قيادتها السياسية في واشنطن، والتي أخذت تتلهى خارج ساحة المعركة بخوض معارك جانبية غير صادقة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفقاً لتنظيرات طلبة يدرسون من منازلهم ومن فوق أبراجهم العاجية في واشنطن يخططون ويشطبون على أوراق السوليفان اللامعة، كما انغمست الإدارة في معطيات لاهوتية لا علاقة لها بالسياسة الأرضية من قريب أو بعيد، وبذلك ابتعدت كثيراً عن (فن تحقيق الممكن)، وشطح بوش المسكين ذات يوم فقال إنه يُوحى إليه، حتى سخر منه كيسنجر فقال الأفضل له أن يرى الطريق أمامه ليتبين الحفر من أن يتعلق بحبال السماء.

على الضفة الأخرى وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها تقطف ثمار أشجار لم تزرعها، فقالت هذا رزق حسن من عند الله، وأنساها الخناس الوسواس أن هذه ثمار غباء أعدائها، وأن عليها وقد أخذت أنفاسها أن توسع دائرة الأصدقاء، وتزرع الثقة في توجهاتها السياسية وتعمّق حسن الجوار مع الضفة العربية للخليج، والعمق العربي الذي لابد له أن يستيقظ على دوي الطبول وأصوات القصف، ولكن الغرور الذي يُعمي ويُصمي، صوّر لها الأمر على النقيض ، فأخذت تتصرف كدولة عظمى، وعلى شاكلة عدوّها احتذاء الحافر للحافر، فاستبدلت لغة المهادنة بالتهديدات، وإرهاب دول الخليج العربي بأن منشاَتها الحيوية في مرمى النيران، ثم تلسنت على لسان مستشار مقرّب من علي خامئني بأن البحرين جزء من إيران، وأن شعبها يريد عودة الفرع إلى الأصل. . يا سبحان الله. . نفس كلام صدام حسين الذي جلس إلى المنطقة كل الذئاب الجرباء، كما أنكرت حقوق الإمارات في جزرها، وتمادت في ارتهان لبنان، ومدّت أصابعها إلى غزة، الأمر الذي مكّن الأمريكان من إعادة استثمار مخاوف المنطقة وتأليبها وتسليحها، فلابدّ مما ليس منه بُدّ، وجولة رايس -جيتس شاهد على أن الهزائم بدأت تعيد الصواب إلى واشنطن، والانتصار غير الحاسم أطار عقل إيران. . (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ).

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s