الأرقام حول مأساة العراق تتحدث بلغتها «الأصدق إنباء من الكتب» ومن كل الكذب السياسي المتحول الذي يحاول تغطية السماوات بالقباوات.. كما يقول المثل.. إليكم بعض الأرقام من تقرير أصدرته «أوكسفام» بالتعاون مع لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية في العراق، وهي الشبكة التي تضم ثمانين منظمة دولية غير حكومية ومئتي منظمة عراقية غير حكومية، ولاحظوا أن المجتمع الدولي نزع ثقته من أي منظمة حكومية لأنها ستكون الوجه الآخر للدجل السياسي والتمصلح الذي ينهب بدلاً من أن يعطي و«كله تمام يا أفندم» ولنذهب إلى الأرقام:
ثلث سكان العراق أي حوالي ثمانية ملايين شخص بحاجة ماسة لمساعدات طارئة، وبينهم مليونا نازح داخل البلاد ومليونان آخران من اللاجئين خارج العراق وهناك 43% من العراقيين يعانون من فقر مدقع، بينما يعاني الأطفال الأمرين بسبب تدني مستويات المعيشة وارتفعت معدلات سوء التغذية لديهم من 19% قبل الغزو الأمريكي للعراق إلى 28% في الوقت الحاضر، ومن بين 4 ملايين يعتمدون على المساعدات الغذائىة يحصل 60% فقط على الحصص التموينية التي توزع عليهم عن طريق نظام التوزيع العام الذي تديره الحكومة.
وأشار التقرير إلى أن استنزاف العقول البشرية الذي يعاني منه العراق يزيد من نقص الخدمات العامة التي هي غير كافية أصلاً، وذلك لأن آلاف الطواقم الطبية والمعلمين والمهندسين في مجالات المياه وغيرهم من الاخصائيين يجبرون على مغادرة البلاد، ووفقاً لأحد التقريرات في نهاية عام 2006م فإن 40% من الكوادر قد غادروا البلاد فعلاً.
ومن الواضح وسط هذه المأساة التي تستحق بامتياز وصف «الجريمة القاتلة» أن ما يسمى بـ «النخبة السياسية» في بلاد الرافدين قد غفلت تماماً عن معاناة شعبها، وهي منغمسة إلى رقابها في صراعات التقاسم السلطوي ومغانمه إلى درجة أن المحتل الأمريكي لم يعد يفهم ما يجري، ولماذا يجري، حيث كشف مفتش عام أمريكي في تقرير رسمي أن الحكومة العراقية فشلت في تولي مسؤولية مشروعات إعادة الإعمار، وأنها تواجه صعوبات في إدارة ميزانيتها في ما يتعلق بالنفط والاشغال العامة والتعليم مشيراً على سبيل المثال إلى الفشل في إدارة موازنة الدولة في عام 2006م حيث لم ينفق منها سوى 22% فقط.
وطبعاً هذا التقرير تقني لم يلحظ أن الأمريكان أنفسهم هم من جلب هذه التشكيلة إلى الحكم لأغراض الاحتلال واستنزاف ثروة البلد المحتل، ولكن السحر انقلب على الساحر لأنه ليس أسهل من التخطيط على الورق وتوزيع الأدوار مع الاحتفاظ بدور المخرج الذي يدير الدمى، أما على الأرض فإن التمثيلية تختلف وأدوار البطولة تثير عوامل الاقتتال أكثر من دوزنتها لعوامل الانسجام، وهذا ما نراه على مسرح العبث البوشي.
الشاهد أن أحوال العراق تبعث على الأسى ولا تبشر بالخير وكما أن «سنونو» واحد لا يبشر بالربيع فإن انتصاراً وحيداً في كرة القدم لا يؤشر لعافية شعب عظيم طال ابتلاؤه.