كل خميس: مع الاعتذار ل “جُوجل”

اصبح العالم حقلاً مفتوحاً للمعرفة تنتقل المعلومات عبره بسرعاتٍ ضوئيةٍ لمن يرغبون في التعلم والاستفادة بعقولٍ متفتحةٍ وقلوبٍ متعطشةٍ وارادات فاعلةٍ متوقدةٍ، أما سكان الكهوف الكارهون للنور، المحبون للظلام، فقدرهم ان يتعفنوا مع الخفافيش العمياء، وهم – مع الأسف – يظنون انهم يحسنون صنعاً، واذا انتزعهم منتزع من جحورهم أعمتهم الاضواء فوضعوا أرديتهم المهترئة على عيونهم واصابعهم في آذانهم، وهم يسيرون القهري الى زوايا نفوسهم الغارقة في العتمة.

معدل التراكم المعرفي للبشرية يتضاعف كل عام ونصف في ظل الثورة الرقمية حسب القياسات العالمية المعتمدة، ومعنى ذلك انه خلال هذا الزمن الوجيز يتحقق تقدم معرفي يساوي ما انجزته الانسانية عبر عشرة آلاف عام تقريباً من التاريخ المسجل.. وفي متوالية هندسية مذهلة يستمر التقدم صُعداً، بما لا تدركه الأفهام الا حدساً، وهو بذلك ينسف كل نظريات التعليم وقواعد البحث القديمة، ولك ان تتصور عزيزي القارئ مائة مليونٍ من البشر -على سبيل الفرض- يقودهم العلماء الافذاذ في مئات آلاف المعامل والمختبرات حول العالم في منافسةٍ لم يسبق لها مثيل في التاريخ لابداع كل جديد في كل مجالٍ، ومن ورائهم وفي خدمتهم مليارات المليارات من النقود، توفر كل ما يحتاجونه لانجاز المهام المفتوحة على كل الاحتمالات وعلى السوق المفتوحة والعوائد المتوقعة وموارد القوة التي تحولت ينابيعها من الطبيعة الى العقل الانساني، وفي ظل هذه الثورة يبدو البشر المقيمون في السكون المدمر والعوائد المتوحشة والتفاهات العقلية والنفسية كائنات مؤذية للبشرية بقدر ايذائها لأنفسها، واذا لم يقيض لهذه الاقوام هداة من انفسهم فإنهم بافكارهم واعمالهم يدعون العالم المتقدم الى استعمارهم ووضعهم تحت الوصاية لحين بلوغهم سن الرشد.

كنت اقرأ عن (جُوجَل) الشركة الأمريكية صاحبة محرك البحث في الانترنت الأكثر شهرة في العالم، ومن يبحرون في الانترنت يعرفون ما ذا تعني «جوجل» في محيطات المعرفة المتلاطمة في الشبكة العنكبوتية والتي شعارها «اذا لم تجد ما تبحث عنه في (جُوجَل) فذلك يعني انه غير موجود على الأنترنت»، هذه الشركة بدأت مغامرتها المبدعة في العالم الرقمي قبل 8 سنوات فقط برأس مالٍ يبلغ نحو مليون دولار، والآن وصل رأسمالها الى اكثر من 15 مليار دولار و معنى ذلك أنه تضاعف بالعقل والعمل مائة وخمسين الف مرة.. رقم خرافي خارق.. يؤشر للمتوالية الهندسية للمعرفة التي تطال النجوم والمجرات.

كيف يعمل منتسبو هذا الفضاء المعرفي وبأي عقلية تدار هذه الشركة الرائدة؟ انقل لك عن تقرير: تعتني (جُوجَل) براحة موظفيها وتلبي احتياجاتهم، ففي أروقة الشركة يوجد 11 مقهى ومطعماً تقدم كافة انواع الطعام مجاناً، وفيها يجد النباتيون والذين يتبعون حمية خاصة ما يريدون، وهناك خدمات مجانية اخرى مثل حمامات السباحة وصالات الرياضة، والالعاب الالكترونية، وخدمات الغسيل والكوي والحلاقة، وكذلك التجميل والتدليك والعلاج الطبيعي، ويجري قياس الانتاجية بالنتائج لا بساعات العمل، وتمنح الشركة 2000 دولار لأي موظف يرشدها الى شخص كفؤ، و500 دولار لكل من يرزق بمولود، وطبعاً الرواتب مجزية ولك ان تقيسها بالمجانيات.

والنتيجة: يواجه المسؤولون في (جُوجَل) صعوبة في اقناع الموظفين بالذهاب الى بيوتهم مساء فهم يحبون عملهم اكثر من أي شيء آخر..

تخيلت السجن الذي شاهدته بأم عيني في احدى الوزارات، ولم يقل لي احد وكانت الابواب الحديد «مزرزرة» السلاسل والأقفال الحديدة لكي لا يهرب الموظفون وتداوم «شالاتهم» بدلاً منهم اما في الداخل ف«سوق سمك» وأتحداك كما أتحدى نفسي انجاز اي عمل في متاهة «جحا» مع الاعتذار ل«جُوجَل».

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s