الرسالة وصلت. .

شمال أفريقيا العربي الذي كنّا نظنّه قطع أشواطاً في الحداثة تفوق أفريقيا جنوب الصحراء وتماثل أفضل ما لدى المشرق العربي، اتّضح الاَن أن ذلك الاعتقاد لم يكن سوى بعض أوهام المثقفين الّذين يقيسون حجم الديك إلى حجم الجبل، أو يبنون على رواية قرأوها أو ديوان شعر طربوا له، قصّة حياة لشعوب بكاملها، وفي أحسن الأحوال وأكثرها اتزاناً ينظرون إلى النّخبة التي لا تزيد على كسر في المائة على أنها البديل الكامل للملايين التي تتخبط في البطالة وانعدام التأهيل والتجهيل وتبحث عن أي منفذ للهروب إلى الضّفة الأخرى، لا من قلة موارد وإنما من سوء تبديد، وفي هذه يلتقي المشرق والمغرب (وعزّ الدين) أجهل (من أخيه).

لعّلكم سمعتم عن قصة الأعمى الذي أُجريت له عملية أزالت الغشاوة عن عينيه لجزء من الثّانية أبصر خلالها ديكاً يقفز طائراً بُعرْفه الأحمر الجميل وصوته الزّاعق الصّقيل ثم انطفأت عيناه إلى الأبد، ولم يبق في ذاكرته من حصيلة رؤيوية ثابتة سوى ذلك الديك، فإذا حدّثه محدّث عن جبال الهيمالايا يسأل وما حجمها إلى حجم الديك، وهكذا دواليك فقد أصبح الديك مرجعيته الوحيدة المعتمدة، ولا تثريب عليه، وإنّما التثريب والملامة على عميان البصيرة الذين يفعلون فعله وأمامهم كتابُ مفتوح ولكنّهم لا يقرأون شأنهم شأن الشيخ الذي قال فيه الشاعر: وعندَ الشيخ أجزاءُ كبارُ مجلّدةُ ولكن ما قراها في ليبيا لم تصل جلود الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني إلى المدبغة بعد أن حُكم عليهم بالإعدام، وتجري محاولات دولية دؤوبة من البيت الأبيض إلى البيت الأوروبي لإيجاد حلّ على طريقة الحل النووي الذي أزاح عن كاهل طرابلس الهمّ الذي رضيت به ولم يرض َ بها، ولم يرشح حتى اللحظة أيّ خبر عن مصلحة المتّهمين في نشر الإيدز بين الأطفال، ففي أي جريمة يكون السؤال الأوّل هو من المستفيد؟ ومن يقف وراءه؟ وهل كان الأمر عمداً واتفاقاً جنائياً أم إهمالاً، فالممرضات والطبيب ليسوا من أهل الدّار وإنما هم على باب الله جاءوا يبحثون عن رزق في بلد بترولي: راح يبغي نجوةً من هلاك فهلك وقد قامت مؤسسة القذافي الخيرية التي يشرف عليها بكْرُهُ سيف الإسلام بدور شجاع هو أقرب إلى التقوى ولا نملك إلاّ الدعاء لها بالتوفيق، فمن فرّج عن أخيه كربة فرّج الله عنه كرباً يوم القيامة.

 

في الربّاط قلبوا ظهر المجن للرئيس الفرنسي (ساركوزي) وقيل إن ذلك كان جرداً على قراره بأن يبدأ من الجزائر أوّل زيارة للدول المغاربية مخالفاً بذلك عادة من سبقوه، ومع التقدير والإقرار بالعلاقات الخاصة جداً، إلا أن (الحرد) لم يعد له مكان في السياسة المعاصرة حيث لا توجد خصومة أو صداقة دائمة وإنّما مصالح دائمة تقتضي بين الحين والاَخر نقل سلاح الصداقة من كتف إلى أخرى مع أن الكتفين لا ينفصلان، وساركوزي نفسه الذي كان يعرف أن أصواتاً كثيرة تطالبه في الجزائر باعتذار عن 132 عاماً من الاستعمار الفرنسي قال: المطلوب هو التطلع إلى المستقبل وعدم الاسترسال في الندم على الأخطاء والذنوب الماضية، ف (الندامة) مفهوم ديني ولا مكان لها في العلاقات بين دولة وأخرى فلا ينبغي تمزيق الحاضر باسترجاع أوجاع الماضي، وأظن أن الرسالة وصلت.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s