يواصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس معاقبة قادته العسكريين الذين خسروا (غزة)، ربما لأن عقيدتهم العسكرية كانت بوصلاتها باتجاه اَخر، وربما لأنهم كانوا مشغولين بالدنيا عن الاَخرة، فطبقوا المثل الفلسطيني (الهروب نصف المرجلة) في مواجهة حماس المستقتلة، وربما لأنهم كانوا منخورين من الداخل كعصا سليمان، بينما (جن) السلطة الوطنية لا يعلمون شيئاً عن المياه التي خلخلت أسس المبنى منذ (أوسلو). . و(ربّمات) كثيرات يمكن إيرادها دون أن يتغير المعنى أو يُشاد المبنى الجديد، مما يذكّر بالمثل العربي (وهل يُصلح العطارُ ما أفسد الدهر).
من جانبهم اقترح عشرة وزراء خارجية لدول في الاتحاد الأوروبي مطلة على البحر الأبيض المتوسط، تشكيل (قوة دولية صُلبة) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في رسالة مفتوحة موجهة إلى توني بلير مبعوث اللجنة الدولية الرباعية إلى الشرق الأوسط، والذي جاء إلى المنطقة لإخراج (الزير من البير)، أعانه الله.
المثل يقول: (أول الغيث قطرُ، ثم ينهمل). فالموقف على الأرض سواء في الضفة أو غزة قد وصل إلى نهاية النفق المسدود الذي حفرته أطرافُ عديدة، كان حديثها وعملها ينصبّ على إيجاد الشقوق وتجاهل الحقوق، وفي مقدمتها حق العودة للاجئين، ولاشك أن (بلير) قد احتاط لنفسه ولمهمته، حتى لا يخرج من التاريخ مرتين: واحدة في بلده والثانية في الشرق الأوسط، وإلاّ كُتب في الخائبين.
إسرائيل وَحلَتْ في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967، وحين تنظر إلى كشف الأرباح والخسائر تهولها كميات الدماء والعقاب المرتد نتيجة الإفراط في استخدام القوة، وما لحق بمعنويات (شعب الله المختار)، من ندوب وتشوهات جعلته لا يرى له مستقبلاً في هذه الأرض ينعم فيه بيوم سلام لا يعكره معكّر، وكذلك ألحق الفلسطينيون بأنفسهم من الأذى النفسي بالدرجة الأولى، أكثر مما ألحق بهم العدو، ولذلك رأى الوسطاء أن الطرفين ربما كانا على استعداد للقبول بحلول من أجل كسر المأزق، وهما بحاجة لمن يساعدهما، ويبدو أن جرس (اَن الأوان) يُقرع الاَن.
ويقول وزراء (القوة الصّلبة) المقترحة في رسالتهم إلى بلير: (إن المخاطر مرتفعة بالتأكيد، لكن هذه القوة يمكن أن تكون قابلة للحياة واَمنة إذا احترمنا شرطين: أن تترافق مع خطة سلام وأن تستند إلى اتفاق بين الفلسطينيين.
وهذه كلمات خفيفة على اللسان، ولكنها ثقيلةُ في الميزان، فأين هي خطة السلام التي تُرضي القاتل قبل القتيل، ذلك أنه مادامت جميع خطط السلام المزعومة تُصاغ في تل أبيب بتوافق أمريكي، فإنها تتحول بعد جولة أو جولتين إلى سُمٍ زُعاف يُطلب من الفلسطينيين وحدهم أن يتجرعوه باعتبارهم (فئران) مختبرات، كما يزعم أعداؤهم. أما عن الاتفاق بين الفلسطينيين، فلن يكون في الزمن الحاضر مع غياب (اتفاق سلام) يتوافقون حوله، فالجميع الاَن يدفعون استحقاقات (أوسلو) التي انفرد بها طرفُ وحده، فهل يدرك (بلير) كل ذلك؟ ومن أين يبدأ؟ أم أن سياسة (فرّق تسُدْ) مازالت تعشش في مخه الإنجليزي.