حقاً أن الرصاص الذي لا يصيب يشوّش ويدوش، وهذه قاعدة معتبرة لدى معكّري الأمن العام والسلام الاجتماعي في أي بلد، وبريطانيا «العظمى» التي تخوض حربين في العراق وأفغانستان ، تجد نفسها في حرب ثالثة في بريطانيا نفسها وسكوتلاندا وهي الحرب الأصعب لأنها مع العيار الذي «يدوش» فما كان لخلايا نائمة كارهة مهما بلغت قوتها أن تهدد جديا أمن بلدٍ وطيد الأركان متماسك البنيان كالمملكة المتحدة الحريصة على حرية أعدائها في أراضيها والمستكلبة في التضييق على حريات الشعوب في أوطانهم، بسيرها في الرّكاب الأمريكي المعوجّ حضاريا وانسانيا، إلا أن هذه الخلايا – بعدة أعمال إرهابية طائشة وكيفما اتفق – تجعل من هذا البلد مستنفرا مستوفزا وعلى أعصابه، وبهذا تتسلل الى النخاع الشوكي لمجرى القرار السياسي إضافة إلى الهالة الإعلامية المضخمة حيث تحول حريق بسيط في مبنى الركاب في مطار «جلاسجو» بسبب السيارة المشتعلة إلى ما يشبه تلك الصورة الملتقطة من الجو لأول قصف نووي لـ«هيروشيما» في مختتم الحرب العالمية الثانية ، وبذلك يؤكد الاعلام الحديث أنه يخدم في «السلب» و«الايجاب» معا لأن قواعد عمله المعلنة تخالف قواعد عمل السياسة المتكتمة ، ولا شيء يجتذبه مثل أعمال الارهاب والفضائح وما يتشعب عنهما من قصص وأخيلة وتسريبات هي بمثابة العسل الذي يغري أسراب الذباب بالولوغ فيه. وقد فعلت الأعمال الارهابية فعلها في رئيس الوزراء البريطاني الجديد جوردن براون الذي بالكاد تسلّم عمله من سلفه توني بلير ، فهو الآن يضرب أخماسا في أسداس حول هؤلاء «الأشرار» الذين عكّروا صفو «عرسه» وصرفوه عن اهتماماته في مباشرة الاصلاحات الداخلية التي وعد بها ليقضي وقته ساهما يربط شعرة من لحية العراق بأخرى من شارب أفغانستان بثالثة من شعر رأس مشرد آسيوي بلندن يصوّ بها الى قلب عرين الأسد. يا لها من أحجيات يعجز عن حلّها «أرسين لوبين» و «شارلوك هولمز» اللذان طالما دوخا «سكوتلاند يارد» وإن كان ذلك في الخيال وعلى الورق، وليس في موسم الصّيف حيث تجتذب المملكة المتحدة ملايين السياح الذين كانوا يعتبرونها واحدا من أكثر البلدان أمنا في العالم، قبل أن يلتحق صيف لندن بصيف بيروت بجحيم البصرة بحلم ليلة الصيف التي يعيشها توني بلير الجديد في إمارته الوردية بالقدس المحتلة مقابل إمارة «حماسستان» التي وصفها محمود عباس بـ« إمارة الظلام» دون أن يقول لنا أين هي إمارة النور، وكله عند العرب والعجم «صابون» .
كبير مستشاري جوردن براون «جون ستيفن» جاب الفأر من ذيله حين أعلن اكتشافه «الخطير» بأن القاعدة قد استوردت أساليب الارهابيين في العراق إلى بريطانيا، وهل كان -لا فُضّ فوه- يعتقد أن «القاعدة» ستستورد أساليب «الرهبان». إنها الحرب التي قال عنها زهير:
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضرى إذا ضرّيتموها فتضرم