المطارات والموانئ ونقاط العبور الدولية البرية تعكس اقتصاد أي بلد وعلاقاته مع الجوار ودول العالم، والحركة منها وإليها بمدلولاتها الرقمية ومؤشراتها النوعية وقيمها الكمية تعطي صورة كاشفة عن النمو والتنمية وعن القوانين السارية وشفافيتها وكذلك عن المستوى الحضاري لأهل البلد المعني مستقبلين ومودعين وأهل ضبط وربط لا يخسرون الوزن ولا يطففون في الميزان، ولا يكشرون في وجه قريب أو غريب.. فالابتسامة أحد أسرار «العافية» الكبرى.
مررت بمطار صنعاء الدولي فشبهته بالفتى البالغ الذي تحاول أمه إلباسه ثياب الابتدائية حين كان طفلاً، فصالة الاستقبال متواضعة السعة كئيبة المنظر، وقد صادفت جمعاً من الحجاج الآسيويين ملأوها مثل كيس البن المضغوط فشققت طريقي عبرهم كيوم الحشر وكان شفيعي شاعر المليون «الأهدل» الذي سهلت كاميرات التلفزيون عبوره، فقلت له: من جاور المسعد سعد، وبعد عبور الممر الضيق وصولاً إلى صالة استلام الأمتعة رأيت العجب العجاب فالسير الكهربائي المتحرك وهو من علامات الحداثة قد اتخذ منه بعض الأطفال الأشقياء لعبة مسلية فهم يسيرون مع الحقائب على السير ويشاركهم أحياناً بعض الشباب لاختطاف حقيبة فرحين بقدرتهم على حفظ توازنهم، وما من احد ينهر احداً، وقد أخذت أضحك مع الأخت المحامية ليلى شهاب القادمة من الريان ونحن نشاهد السيرك الممتع و«الطاسة ضايعة» بين العساكر والموظفين والركاب، ولا «سوق عكاظ» في زمان، وعند الخروج رأيت البعض يمر عبر المفتشين، والبعض الآخر من خلفهم عبر طريق جانبي فقلت لنفسي «وسط إخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب» ثم توكلت على الله، ودبيت إلى خارج المطار.
اما مطار عدن، وقد عبرته مغادراً فشبهته بأم العروسة «فاضية ومشغولة» فهو بحمدلله ومنته يستقبل طائرة واحدة في اليوم، ولذلك تقرع لها الطبول وتقام الأفراح والليالي الملاح بما يذكرني بأوائل الستينات من القرن المنصرم حين كانت تهبط طائرة القات الحبشي القادمة من أديس أبابا، فيجري زف «المراقح» من المطار إلى عدن على انغام مزامير السيارات والنشيد الوطني للقات «يا أبو زربين.. هاتهم بس هات» الشاهد ان سياسة الأجواء المفتوحة التي تم تبنيها ينطبق عليها قول المغني «كلما صفت غيمت» ويا مجلس الوزراء الموقر، عند الله ثم عندكم، اذا ما اتخذتم قراراً فتابعوه، ولتكن لكم ايد طائلة، وعيون كعيني زرقاء اليمامة وعلى قول المثل الشعبي «رقصة بناموس اولا خير بطالها» يعني بعد الترجمة، يا رقصة تشرح الخاطر يا بلاش منها، مطار عدن غارق حتى أذنيه في خدمة الرحلة الواحدة بضباطه ومراتبه والكشك البسيط الذي حل محل السوق الحرة وأكرمني أصحابه بفنجان قهوة، و ثناء ينعش الروح، وترى الجميع على قدم وساق.. كأنهم موعودون بشيء سيأتي من خلف الغيب.. وقد أحببت في هذه العجالة أن أسر في آذان مطاراتنا الموقرة بأخبار قريبهم وابن عمهم «مطار دبي» وهو أقرب اليهم من حبل الوريد:
يؤمن مطار دبي الدولي يومياً 700 عملية هبوط واقلاع تنقل 80 ألف مسافر وذلك بمعدل حركة جوية كل 40 ثانية في الذروة، ويزود هذه الطائرات ب115 الف وجبة وتوجد فيه 221 نقطة لانجاز اجراءات السفر و16 بوابة الكترونية، ويعمل فيه 3500 موظف من دائرة الطيران المدني وحدها الى جانب مئات الموظفين من الادارات المختلفة وفي المطار 28 ممراً مسقوفاً لنقل الركاب الى الطائرات، نشير الى ان شركة الامارات لتموين الطائرات تشغل 4200 موظف يعملون كعقارب الساعة ولا يسمع لهم ضجيج.
والمسألة كما يقول اخواننا المصريون «شغل عقلك تاكل ملبن» ومع انفتاح الاجواء ينبغي ان نفتح عقولنا على الاخر، ولنبدأ فمسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة صحيحة على ان تكون في الاتجاه لا عكسه.