وترى النخلة الشامخة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فتخالها لا تريم مكانها ولا تخلف وعدها، ثم يأتيها السوس لا تراه أنت ولا تستطيع هي له دفعا، فيأكل لبابها فإذا بعجزها خاو على عرشها والرياح تذروها، وهذا قانون من أشيع قوانين الحياة وأكثرها فاعلية واستمرارية، فالحياة تتآكل من نسيجها كالثوب الجديد، يبدو قشيبا يسر الناظرين، ثم لا يلبث أن يبلى رويدا رويدا فتنسل خيوطه ويحول لونه، ثم لا تدري عنه بعد ذلك شيئا كأنه لم يكن ولم يلامس لك بدناً. هل ترى الناس الذين يراهنون على الزمن مخطئين؟ لا أظن.. ولكن الزمن يحتاج إلى المدى ليتغير كما تغير وجه كثير عزة: “ومن ذا الذي يا عز لا يتغير؟” والمراهنة على الزمن تشبه النوم على الشوك الذي لا يطيقه سوى المأسورين غصبا عن إنسانيتهم التي تحفزهم على التمرد. هل ترى هذا حال العرب مع إسرائيل وقد أشبعتهم قهرا، وحمّلتهم أمرا لا تطيقه الجبال، التي تراها جامدة وهي تمر مر السحاب؟ إنهم ينتهجون سياسة “إذا لم يكن ما تريد فكن ما يراد” وهذه غفلة عظمى تهرب من قوانين البقاء وتتجاهل قوانين السماء.
وربما كان هذا ما زفره رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق إبراهام بورغ في حديث إلى صحيفة “هآرتس” العبرية لمناسبة إصدار كتابه المعنون “الإنتصار على هتلر” فقد وصف بلاده التي ليست بلاده بأنها “معزل” جيتو صهيوني يحمل بذور زواله في ذاته ودعا إلى حل الحركة الصهيونية كونها كانت سقّالة لإقامة البيت ويجب حلها بعد إقامة الدولة كما ورد ذلك على لسان مؤسس الحركة “ثيودور هيرتسل”.
ويبدو أن بورج قد أحس بدبيب قانون الفناء فأراد أن يصدق قومه القول كما أصدقهم النبي موسى عليه السلام القول في سيناء، فهم الآن في مرحلة عبادة “العجل الذهبي” قبل النفس الأخير للسقوط ولا أدري إذا كان العرب حقا لا يقرأون كما قال موشي ديان، حين ذكر أن نوايا وخطط إسرائيل لحرب 1967م كانت منشورة ومبذولة للعموم، ولكن “أمة إقرأ” لم تعد تقرأ.. والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ويقول بورج “إن وصف إسرائيل بأنها دولة يهودية هو مفتاح زوالها، لأن ذلك بمثابة “ديناميت متفجر” كيف؟
قارن بورج بين الصهيونية والنازية، ولعلكم تتذكرون الضجة العالمية عندما استخدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الوصف حرفا بحرف وحذو الحافر للحافر، ولم يقر لواشنطن ولا لتل أبيب قرار في محاولات محمومة لشطب ذلك.. ما علينا.. يقول بورج:
“إن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تشبه تصرفات النازيين، وهناك احتمال لا يستهان به لأن يحظر الكنيست في المستقبل التزاوج بين فلسطينيي 1948م واليهوديات، وأن يمنع بوسائل إدارية العرب من تشغيل مساعدات بيوت وعمال يهود مثل قوانين “فيرنبيرغ” النازية مؤكدا (سيحدث كل هذا وهو يحدث).. ودعا إلى إعادة النظر في قانون العودة الإسرائيلي واعتبره مرآة “تعكس صورة هتلر “قائلاً: “لا أريد أن يحدد لي هتلر هويتي “وخلص إلى أن جدار الفصل ناجم عن مرض جنون العظمة “البارانويا” لأنه يعني أن من وراء ذلك الجدار “همجيون”.. ويبدو أننا نحن العرب من يقدم أمصال إطالة الحياة لهذا الكيان المنخور.. بشهادة شاهد من أهله.