الكتابة بالسكاكين…!!

فقد العالمالعربي مرجعيته الأولى التي ألهبت التغيرات الدراماتيكية على مدى خمسة عشر عاماً من عمر الثورة المصرية، فقد كان لهزيمة 1967م وقع زلزال ضخم أعقبته براكين وحمم متفجرة تتدفق في كل الإتجاهات دون هدف أو ضابط، وقد أمضى جمال عبدالناصر سنواته الثلاث الأخيرة في مسعى محموم لإزالة الأنقاض وترميم العلاقات العربية – العربية التي كان جسدها ملياً بالجراح المتقيحة، ولم يقدّر للرجل – الذي حمل نفسه عبء الهزيمة – أن يشهد العبور الذي أوقده من روحه المتشظية، فكان آخر نشاط له في سبتمبر عام 1970م لوقف قتال الإخوة الأعداء في الأردن الذي فقد نصف مملكته باحتلال الضفة الغربية في هزيمة يونيو ليجد نفسه في حرب ضروس مع المقاومة الفلسطينية التي انكسرت ورحلت إلى لبنان لتقيم دولة الفاكهاني في قلب دولة بيروت، وما تزال الحمم متدفقة حتى يومنا هذا من (تسونامي9 العصر الذي ضرب العرب جميعاً، لأنه حتى أولئك الذين ظنوا أنهم قد نجوا من قذائق الأناشيد الثورية علموا – حين العلم لا يجدي الفتى – أنهم قد أكلوا يوم أكل الثور الأسود، وأن ليل النابغة قد أدركهم:
وإنك كالليل الذي هو مدركي=وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وفيما تصالح الجميع – رياءً – ضمن سياسة (تبويس اللحى) العربية الشهيرة، فإن الشعراء العرب ألعنوا العصيان ودعوا إلى التمرّد وإلى تحطيم جميع الأصنام التي تدنّست الطهر العروبين وقد كان لقصيدة نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة) أصداء مدوّية جعلت منها (مانفيستو) هزيمة الهزيمة:
أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة
والكتب القديمة
أنعي لكم…
كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات العهر والهجاء والشتيمة
أنعي لكم… أنعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
***
إذا خسرنا الحرب لا غرباة
لأننا ندخلها…
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأنان ندخلها
بمنطق الطبلة والربابة

ومن بين أنقاض القديم الذي شيّعه إلى مثواه نزار قباني وجمهوره الواسع حول العالم العربي الذي كان يحتسي معه (طفولة نهد) و (خبز وقمر وحشيش)، فتحول عقب الهزيمة إلى إحدى فصائل آكلي لحوم البشر، الذين يودون لو استطاعوا أكل لحوم إخوانهم من العساكر والزعماء وهم أحياء، وقد طبع ذلك التحول إبداع أجيال تعددت طرقاً وتقاربت هدفاً:
يا وطني الحزين
حولتني بلحظة
من شارع يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين