المحرقة الصومالية

تتسع جراح الصومال الشقيق يوماً بعد يوم، وحاكماً بعد حاكم، حتى ليبدو الناجون في أرض الصومال شمال غرب، وبلاد بونت شمال شرق كأنهم مولودين، ونخشى أن يكون ذلك إلى حين، فالنار إذا اشتعلت بأطرف الغابة فإن الرياح قد تسوقها سوْقاً في مختلف الإتجاهات. وما من أحدٍ مرتاح في الصومال، فمن لم يكن في قلب الزلزال فإن الهزات تتابعه كليل النابغة:
وإنك كالليل الذي هو مدركي=وإن خلت إن المنتأى عنك واسعُ
دعك من الصومال الذي هو في قلب النار، وانظر إلى ما نال اليمن وجيبوتي وكينيا… وهل أثيوبيا سالمة؟ ما أبعد السلامة عنها، فقد ذهبت إلى حتفها بظلفها كما يقول المثل العربي، وهكذا هي الحروب، من السهل أن تشبّ نارها، ولكن تعال أطفئها إن كنت فتىً. وقد قال الإثيوبيون أنهم سينسحبون حالما تتكامل القوات الإفريقية، وأنا أميل إلى تصديقهم، حيث أصبح وجودهم جزءاً صعباً ودامياً من المشكلة، وليس حلاً لها كما توهموا في البدء، والوجود الأثيوبي العسكري المقاتل أفقد الحكومة المنقسمة على نفسها والتي تفتت بدداً أي مصداقية، ذلك أن ثوب العارة مسترد، وقوة أديس أبابا لن تغني عن حكام مقديشو شيئاً، إذا لم تكن لهم أقدامٌ وإقدام، لذلك تبدو المصالحة الوطنية هي القوة الفاعلة الوحيدة، علماً أن القوات الأفريقية لن تقاتل إلا دفاعاً ن النفس ربما “وإذا زاد الزايد ستفعل مثل قايد” كما يقول المثل اليمني، أما ماذا فعل قايد فقد ولى هارباً من المعركة لينجو بنفسه “ويا روحي ما بعدك روح”، وما عجزت عنه أثيوبيا ذات المصلحة لن ينجزه الأفارقة الأبعدون الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصومال الذي يمتلك أكبر ثروة من الإبل الماخرة للصحراء على مستوى العالم، وهي لا تستطيع – أي الإبل – وا أسفاه – أن تعبر البحر إلى اليمن كما يفعل اللاجئون الذين يتعرّضون للرمي في البحار لتحمل الأمواج جثثهم إلى الشواطئ دون أن يبكي عليهم أحد، أو حتى يعرف هويّاتهم، أما الإبل فلا نقود لديها لتدفعها للعصابات، كما أنها إذا رُميت في البحر فإن فرصها في الوصول إلى شواطئ اليمن السعيد أفضل من فرص البشر، فهي قوية الشكيمة، شديدة العزم، وقادرة على السباحة طبيعياً، كما أنها لا تحتاج إلى معسكرات لاجئين أدار لها العالم ظهره لأنه مشغول بعروض الأزياء ومهرجانات الأضواء، فهي ستهيم في الصحراء، وإن وجدت لها عملاً فبقوتها، أي بما يملأ بطنها، وقدر اليمن أن تتقاسم الرغيف وتحدب على الغريب النازح حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً… ومن كتبت عليه خطاً مشاها.
أمس الأول قال كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة جون هولمز “إن الصومال تمثل أزمة نزوج أسوأ من دارفور أو تشاد أو أي مكان آخر في العالم، وإن أكثر من 300 ألف فرّوا من مقديشو في الأسابيع الأخيرة”، مضيفاً: “إن انتهاكات حقوق الإنسان وقعت، مستشهداً بالقتال الضاري الذي دمّر العديد من المناطق في العاصمة، وأسفر أيضاً عن اختفاء مدنيين بشكل غامض، كما أن الكثيرين يعانون من انتشار الكوليرا”… وهذا يعني أن من لم يمت بالرصاص يمت بالكوليرا، ومن لم تقتله الكوليرا يهيم على وجهه، فربما قتلته الشمس في سباقها مع الجوع، ومن كان شاباً قادراً على القتال يختفي بشكل غامض، وهو تعبير مهذب عن الخطف فالقتل والردم، ومن نجوا من كل ذلك فالبحر أمامهم والعدو من ورائهم، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
أيّ ضميرٍ منتنٍ يستطيع أن يتحمّل كل هذا الشقاء البشري ويصمت؟! ومثلما هو الحال دائماً وأبداً، فإن القوى السياسية في أي بلد تتحمل المسؤولية الأولى فيما يصيب الشعب من البلاء، فأمراء الحرب حين سيطروا تحولوا إلى عصابات قتل خارج القانون، والإسلاميون حين اكتسحوا قاموا بتهديد دول الجوار بدلاً من تأمين أوضاعهم وتقديم أنفسهم للعالم كقوى مسالمة بناءة وعقلانية، ومجيئ الأحباش هو تحصيل حاصل لهذا الوباء السياسي الصومالي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s