الزيارة الناجحة المثمرة التي قام بها الرئيس علي عبدالله صالح إلى واشنطن أكدت ما لليمن من أهمية وموقع استراتيجي ودور مطلوب إقليمياً ودولياً، وما لرئيسه من مكانة تجعله موضع ثقة وطمأنينة فيما يعبّر عنه ويتعهّد بهن وبالتالي فإن الولايات المتحدة تقدر تأثيرا الجوانب التي هي ربما ليست على أجندتها المباشرة مثل البطالة والفقر وضعف البنية الأساسية، وتأثير ذلك وبصورة حتمية على القضايا المطروحة بإلحاح على أجندتها كمكافحة الإرهاب والتدهور المريع للأوضاع في القرن الإفريقي، والذي تتحمل اليمن نصيباً وافراً من مخرجاته السليبية، وخاصة لجهة تدفق اللاجئين الذي يغضّ المتجع الدولي أعينه عنهم، وبكالد يراهم، كأنه ينظر من على سطح القمر.
ولقد لعبت واشنطن دوراً ملحوظاً في لفت نظر دول الإقليم إلى العمق اليمني ، وما يعانيه من مشكلات ينبغي التداعي لإيجاد الحلول الناجعة لها، فالأمن في الأخير منظومة مشتركة بين دول الجوار، وطالما حذرت من الرؤى القاصرة التي لا ترى سوى ما يهمها، غافلة عن أن ما يضيرها، ربما هو في دور التخلّق في مكان آخر، وإن ما يمكن إيجاد الحلول له اليوم بأقل تكلفة قد يتأبى على أي حل إذا تفاقم وتدخلت فيه أيادي لها مصالح متناقضة.
ويبدو كل من العرق والبنان وفلسطين نماذج لهذا الاستعصاء على الحلول التي كانت ذات يومٍ في متناول الأيدي، لو انتبه من بأيديهم مفاتح الحل والعقد، وعبوروا عن نوايا حسنة في أوطان تتسع لشعوبها وتتجه إلى المستقبل أكثر مما تغوص في الماضي العقيم.
وفي مجالات النظر السياسي وتقويم المراحل، لا ينبغي الخلط في الأوراق – وما أكثرها – فللكثير من العرب مواقف معادية للولايات المتحدة، وخاصة لجهة احتلالها للعراق، والشكوك التي أثارها ذلك الإحتلال فيما يتعلق باستراتيجية هيمنة على المنطقة للاستحواذ على ثرواتها أو توجيهها وفق الرى الأمريكية، ولكثير من العرب مواقف حادة ضد واشنطن فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وانحيازها التام غير المشروط إلى جاب تل أبيب، وسياسة الكيل بمكيالين، وخاصة فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وحيازة اسرائيل المؤكدة والوثقة لها، فيما ترجي مطاردة حثيثة لمن يعلنون ليلاً ونهاراً أنهم يسعون إلى امتلاك المعرفة النووية من أجل الاستخدامات السلمية، حتى بدا الأمر وكأنه محاكمة للنوايا.
ومعذلك فإن واشنطن دولة قابلة للحوار مع تعدد الآراء والرؤى في داخلها، ولها مصالح فعلية ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكن على مستوى العالم، ويمكن الإفادة تماماً من توجهاتها ودعواتها لإشاعة الديمقراطية في منطقتنا، فليس البديل للتشكيك بنوايا واشنطن هو الديكتاتورية والإنغلاق. وقد قال الرئيس الأميركي أثناء استقباله للرئيس علي عبدالله صالح وفي مؤتمره الصحفي “لقد سعدت بالاتصال بالرئيس بعد الإنتخابات افي اليمن، وقلت له بأنه حدثٌ رائع أن يكون هناك في بلاده اختبارات حرة ومفتوحة، ولقد تسنت لي فرصة أن أهنئه بذلك”… معنى ذلك أن العالم يرى ويفهم ويستطيع قياس التطورات أكثر من أولئك الذين لا يرون من الغابة سوى السجرة اللصيقة بأعينهم، وفي التقدير أن الجمهورية اليمنية التي تعيش حمّى المستقبل بصورة لا سابق لها، وتفتح أبوابها للإستثمار بجدية وصدق بإمكانها الإستفادة من الدعم الأميركي الذي قال عنه الرئيس أنه غير محدود، وكذلك دعم الأشقاء والأصدقاء الذي عبر عن نفسه بصولة المستثمرين الخليجيين والمانحين… ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.