من المعيب أن يقول كاتب في صحيفة سيّارة لِوُفود 60 دولة اجتمعت في شرم الشيخ لصياغة ما أسموه وثيقة العهد الدولي لدعم العراق: “بلّوها واشربوا ماءها”، فلعلّكم أن تغصوا بها كما يغصّ العراق بالبلاوي التي جلبها إليه الاحتلال الأمريكي الغاشم، الذي حاول عبثاً أن يجعل غيره ينتزع الأشواك التي أدمت قدميه، فيما الجميع الذين توافقوا دون وفاق، في إطار براق من النفاق يقولون للأمريكي القبيح في أنفسهم:
ما حكّ جلدك مثلث ظفرك
فتوّل أنت جميع
أمرك |
وفي الأخير – ولأنه لا يصح إلا الصحيح – فإن ما يقوله الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي سيجعل العنزة تطير، بما يعطي المصداقية للمثل العربي الذي يؤشر للسخافة والعناد بالإصرار على الخطأ كما تفعل الإدارة الأمريكية، وذلك بالقول: “عنزة ولو طارت”، ولكنها هذه المرة ستطير بخيلها ورجلها ودباباتها وهزائمها عائدة من حيث أتت “فما كل طير يؤكل لحمه”، والذي لا يعرف الصقر يشويه، والعراق هنا هو الصقر الذي لا يؤكل، لأن لحمه مُر، أو لأنه يكاد يكون بلا لحم من شدة العناء، ومعاناة الطيران من مصيبة ديماء إلى مصيبة عمياء إلى كارثة ظلماء.
ومن بين الدول الستين التي حضرت شرم الشيخ – لشم النسيم و”لزوم الزفة” ليس إلا – فإن تسعين في المائة منها لا تحل ولا تربط في المسألة العراقية، ولكنها تتمخطر أمام شعوبها وهي تقول أن لها باعاً وذراعاً في المسائل الدولية المعقدة، وأنه لولا ذلك ما دُعيت إلى شرم الشيخ ليُؤخذ رأيها، – ولأن ما خفي أعظم – فإن بعضها قد قايض حضوره ورفع يده بالموافقة على وثيقة “بلها واشربها” بمعونات تحفظ ماء الوجه طالما البحر الأمريكي الطامي قد رحب بالزوارق الفارغة تأتي من كل صوب، ليصدق بذلك قول الشاعر العربي:
ولما رأيت الناس شدوا
رحالهمإلى بحرك الطامي أتيت بجرّتي
|
ما علينا… في الليلة الظلماء يُفتقد البدر، وهو هنا الأمن القومي العربي، الذي لم يعد أحد يأخذه في الحسبان، والمرء حيث يضع نفسه، وقد وضع العرب أنفسهم موضع “القصعة” التي يتداعى إلى لحمها وثريدها الأكلة من مختلف الملل والنحل، فيما أيدي أبنائها تقطع إذا امتدت إلى لقيمة منها… إننا نجري إلى خبر كل وليمة يُعلن عنها مثل أشعب الذي كان يبعد الصبيان عن إيذائه بالقول أن هناك وليمة في بيت فلان، وحين يراهم يتجارون يقول لنفسه: “والله أنهم لا يَجرون بهذه الهمة إلا وهناك وليمة محققة”، فيأخذ في الجري خلفهم لعله ينال نصيبه من السراب الذي اخترعه هو نفسه… يعني ما فيش فايدة، والعقل العربي لم ينضج بعد.
لم تعد مشاكل العراق في الإناء العراقي، فقد تكسر ذلك الإناء فأخذت طهران (شقفة) منه، وأخرى في دمشق، وثالثة في أنقرة، فيما القاعدة في واشنطن ودول الجوار السني تقول لنفسها: “إذا فاتتك اللحمة عوّض بالمرق”، وجميع هذه الهواجس لم يعالج منها هاجس واحد في شرم الشيخ، وإنما هي تمنيات ولعبة علاقات عامة تشبه كلام الليل بين الواطئ والموطوءة:
كلام الليل مدهون
بشمعإذا طلعت عليه الشمس ذابا
|