أول الغيث

من الواضح أن شركة الأسمنت اليمنية السعودية وشركة سينوما انترناشيونال الصينية قد رتّبا توقيع عقد التعاون بينهما عشية مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن الذي بدأ أعماله أمس في صنعاء بـ520 مشاركا و80 ضيفا رسميا ومئات المستثمرين من الداخل وافتتحه الرئيس علي عبدالله صالح.

ولا ضير في ذلك فكل واحد حر في اختيار التوقيت الذي يناسبه والحياة مع الجماعة رحمة على عكس المثل اليمني الذي يقول إن “الموت مع الجماعة رحمة” وشتان بين الصناعتين: صناعة الحياة وصناعة الموت، فمصنع “إسمنت باتيس” بمحافظة أبين الذي يبعد 100 كيلو متر عن مدينة عدن والذي تبلغ كلفته 250 مليون دولار ويشغل 550 عاملا بصورة مباشرة و3000 بصفة عمالة غير مباشرة، هو في صميم صناعة الحياة الجديدة، التي تستثمر خيرات اليمن وتمتص جزءاً من البطالة التي تكتم أنفاس الشباب وتسد جزءاً من النقص في مادة الاسمنت التي يتزايد الطلب عليها محليا وعالميا حيث تبلغ طاقته الإنتاجية مليوناً وستمائة الف طن كلنكر سنويا.

كنت أحد شهود حفل التوقيع في فندق تاج سبأ العريق بقلب العاصمة بل إنني منذ أكثر من عامين وهذا المشروع يطن في أذنيّ طنين النحل في خليتها بسبب صداقة تربطني بمديره العام علي بن علي العيسائي وكانت تلك الفترة للدراسات والإعداد، ولم يكن الرجل يكف عن الحديث والمصاعب اليومية من كل صنف ولون حتى راهنت نفسي أن المشروع لن تقوم له قائمة وأنه أحد أحلام اليقظة، وها أنذا والحمد لله قد خسرت الرهان وهي أول خسارة أتقبلها بالرضا والغبطة، ويا ليت كل خساراتنا من هذا النوع، وقد رأيت صديقي من بعيد وهو مثل “أم العروس” يحتفي بضيوفه.

أما رئيس مجلس الإدارة الشيخ حميد بن عبدالله الأحمر، فما أن شرف للسلام حتى جاءه الدكتور الشيخ المندعي العفيفي قائلا: ترى الأرض أرضنا يا شيخ، قبل أن يكمل جاء شاب عليه وعثاء السفر “عبدالهادي الجريري” وقال إن أرض المصنع هي أرضنا نحن يا شيخ، فوجد حميد فرصته لمواصلة السلام قائلا لهما: اتفقا أولا على من هو صاحب الأرض.. ويمكنني القول أن نصف مشاكل اليمن هي بسبب الأراضي، وهي واحدة من أكثر معوقات التنمية، وما كل مرة تسلم الجرة. وكان أظرف تعليق سمعته من رجل الأعمال توفيق الخامري الذي قال يا جماعة “الأرض مقابل السلام”، وهو تعليق ذو مغزى لا يخفى على النبهاء.

وقد ألقى الشيخ حميد كلمة مرتجلة جلّى فيها لغة وتسلسلا وقد أسعدني ذلك بقدر ما أسعدني المصنع، ففي البدء كانت الكلمة، وإذا صلحت اللسان صلح الإنسان، والعقل السليم في المنطق السليم، وما أحوجنا إلى ذلك، وقد علق الشيخ محمد بن محمد المنصور الذي كان بجانبي بالقول: لقد مررنا بزمن كنا نحتاج إلى من يترجم بيننا نحن اليمنيين.

وجاء الدور على الصيني السيد هوشوفو نائب رئيس الشركة العالمية “سينوما انترناشيونال” وقد قلت للأخ سالم صالح محمد إن “سينوما” تذكرني بـ”تسونامي” الله يستر، فعلّق ضاحكا وهو يقول: ألم تسمع بالمثل اليافعي “قتيل الماء ولا قتيل الظمأ”. السيد عبدالرحمن الجفري رئيس رابطة أبناء اليمن كان له من خفة الدم نصيب في ذلك الحفل البهيج فلفتني إلى اللافتة الكبيرة المعلقة خلف المسرح فقال: كيف أصبح الصيني سيدا والوزير “المتوكل” دكتورا – حاف – قلت له: سأكتبها على لسانك لأنني أؤمن بحكمة القرود الثلاثة “لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم”.

على كل حال: أردت إمتاعكم ببعض القفشات ليس إلا، ذلك أن الأرقام بتجهمها وصلابتها ستكون مائدة الأيام القادمة، وقد أمُرنا بالترويح عن القلوب بين ساعة وساعة، وأول الغيث قطرة ثم ينهمر.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s