أود اليوم أن أكتب عن مؤتمر فرص الإستثمار في اليمن الذي تنظمه وزارة الصناعة والتجارة اليمنية بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، والذي يبدأ اليوم في صنعاء تحت شعار (نحو مصالح مشتركة ودائمة)، ولكن… في فمي ماء…
ربما تكون دول أخرى قد فاضت بالإستثمارات أو فاضت بها الإستثمارات – سيّان – فهي اليوم في شغل شاغل لمعالجة النواتج السلبية لهجمة رؤوس الأموال بيئياً واجتماعياً وقانونياً، ولكن اليمن غير، فهي أرضٌ بكر، والزواج بينها وبين المستثمرين ينبغي أن يكون على سنّة الله ورسوله، فلا المستثمر عقالة يظن البكارة، ولا ولي الأمر يظن “كل العرسان فرسان” والحليم تكفيه الإشارة.
اليمن اليوم تفتح الأبواب على مصراعيها، بحسن نية لا حدود لها، ضاربة عرض الحائط بذلك المثل اللئيم الذي يقول “إن الطريق إلى جهنم معبّدٌ بالنوايا الحسنة”، واليمن تدرك أيضاً أن “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”، ولكنها عاقدة العزم على أن ترمي وراء ظهرها تجاربها الخائبة، ولعبة القط والفأر بين الآكل والمأكول التي طبعت تجارب سابقة، حيث المستثمر يريد كل شيء على طبق من ذهب، ثم يسير خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف معلقاً أي شيء على كل شيء، مع إن الكمال لله تعالى وحده، وحيث الحكومة تندفع في ساعة صفو فتعشّم الشعب المتلهّف بجنّات عدن ثم لا تلبث أن تغفوا، كأنما كانت الوعود أضغاث أحلام، فما من أحدٍ تم تكليفه ومعه عصا غليظة بتنقية الأشواك من الطريق “إنما العاجز من لا يستبدّ”، ذلك أن الفاسدين – وهم كثر – على حدّ أبي فراس الحمداني، لا يعترفون ولا يتعاملون مع النداءات الأخلاقية، والمواعظ الوطنية، ولصوص المغارة لا يهتمّون سوى بعدّ المفاتيح وصقلها والحصول على كلمة السر “إفتح يا سمسم”، ليغرفوا من كنوز المغارة وهم مطمئنون إلى طيبة قلب الحرّاس.
وفي تصريح نشر الأسبوع الماضي للدكتورعلي محمد مجوّر رئيس الوزراء جاء “إن الفاسد عدوّ التنمية، وعملٌ لا يقوم به ولا يمارسه إلا ضعفاء النفوس الذين يقتنصون الفرص وينقضّون على المال العام نتيجة للأطماع وغياب التشريع ومبدأ الثواب والعقاب”. وقد توعّدهم بسيف القانون الذي آن أن يخرج من غمده فقال: “إن مجلس الوزراء سيعقد جلسات خاصة لمناقشة التقارير حول الفساد والتلاعب بالمال العام، وإحالة ما يثبت منها إلى النيابة والقضاء علناً” . وأقول بكل حب وتعاطف ما قاله عمر بن أبي ربيعة: “ليت هنداً أنجزتنا ما تعد”. ما أود قوله للمستثمرين من أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليج – وهم ليسوا غرباء عنا ولا عن أنفسهم – إن اليمن رئيساً وحكومة وشعباً صادقة في توجهاتها التنموية، ومخلصة في تحقيق شعارها “نحو مصالح مشتركة ودائمة”، وإذا وجدت بعض المعوّقات – والتي لا يخلو منها أي بلد حتى جزر الواق واق – فإن الإرادة المخلصة كفيلة بتذليلها، والمسألة في هذه المرحلة ليست متروكة للظروف وكيفما اتفق، وإنما هناك عهد وثيق بين القمة ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح وممثلة بالشعب ومن بينهما من سلطات تنفيذية على رأسها مجلس الوزراء والصحافة هي السلطة الرابعة، على أن تمهد جميع الطرق إلى التنمية والاستثمار ليس سوى جزء منها، واليمن اليوم في مفترق “أن يكون أو لا يكون” وقد قرر أن يكون، والأيام بيننا و “من سبق أكل النبق”.