قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهو يقدم استراتيجية الحكومة أمام حشد يتكون من أكثر من ألف شخصية يتقدمهم رئيس الدولة وأعضاء المجلس الأعلى للإتحاد: “إن الإمارات تسعى لأن تتصدر العالم وليس الخلجي والعالم العربي فحسب”، وقد بارك هذا التوجه الشيخ خليفة بن زايد قائلاً: “إن هذا التوجه يعبر عن رؤيتنا الطموحة للنهوض ببلدنا وأبناء وطننا…”
وكما يقال، فإن من أبعد الرمية وجب أن يجيد التصويب، وهذا كلام على المستوى الحكومي العربي يفوق كل خيال، ولكن الرجل – الذي حشد 500 من صفوة الكفاءات والقيادات الحكومية لإعداد الإستراتيجية المكونة من 800 صفحة – لم يعرف عنه احتراف الخطابية العربية التي تبيع السمك للجائعين قبل أن تصطاده، وفي رصيده من الإنجازات المعروفة للقاصي والداني ما يشارف الريادة العالمية ويجعل من الحلم العربي القتيل إعادة بعث للحاية يشبه العنقاء حين تنبعث من رمادها خلقا صجديداً، وهذه المرة من الإمارات، وأول الغيث قطر ثم ينهمل. وقد خاطب محمد بن راشد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قائلاً: “أرى إمارات المستقبل تحت قيادتكم يا صاحب السمو وقد أصبحت محط أنظار العالم، تمتلئ بالتجارب الناجحة في الصحة والتعليم والإدارة الحكومية وغيرها من القاطاعات التي يتبناها العالم كافضل الممارسات، وأراها وقد وصلت إلى أرقى درجات العلم والمعرفة والرقي والإزدهار”، ويواصل الحلم بعينين مفتوحتين وعزيمة راشدة، “إنني أكاد أمشي في شوارعها، وأدخل مدارسها، فأرى طلبتها منهمكين في النهل من العلوم الحديثة، أتنقل بين حدائقها، وأدخل مستشفياتها، فأرى نظرة الرضى”.
هذا كلام من جنس الشعر، ولم يكن الحلم في أي يوم من الايام وفي أي أمة وفي كل عصر سوى نظرة شاعرية إلى الوجود، ولكن هناك من يتْبعُ النظر بالنوم، فتكون أحلامه من فصيلة “أحلام اليقظة”، وهناك من يتْبع الحلم بالعمل الشاق والبداع المبني وتصحيح المسار الدائب والإرتقاء بالإنسان أثمن راس مال، فتكون الحضارة “لسنا ممن يكثر الكلام أويغرق في الأحلام، ولكني أرى راي العين وأعلم علم اليقين أن في الدولة رجالاً ونساءهم أهل لتحقق هذا الحلم، يبذلون من حياتهم وأرواحهم لرفعة وطنهم وتحقيق رؤية قيادتهم والتغلّب على كافة التحديات”.
ويبدو أن محمد بن راشد من المؤمنين بالمثل القائل “أن السلّم ينبغي أن يكنس من أعلى”، ولذلك لم يوفر وزارته من النقد، فقد أشار إلى أن وزارة العدل متخلفة 20 عاماً عن تطور الدولة، ووزارة الصحة تقدم خدمات ضعيفة، قائلاً “إن لدينا أطباء لم يجددوا معلوماتهم منذ 20 عاماً”، ووزارة التربية والتعليم مردودها ضعيف على الرغم من مئات المليارات التي تصرف على هذ القطاع، وهنك تخلف في طرق التعليم التي تعتمد على التلقين والحشو والحفظ”. وحتى لا يكون الكلام رمية في الظلام فقد أضاف “إن ذلك لا يعني إجراء تغيير حكومي، لأن الوزارة جديدة، ولكن المحاسبة ستطال جميع الوزراء، وسيخرج من الحكومة أي وزير يثبت تقصيره”. إذاً فليُعلِم الحاضر الغائب، فالتوزير تكليف وليس تشريفاً، والمحك العمل والإنجاز، ومن شذ فبيته يتسع له”.
مساءلتهم تقع في أعلى درجات الشفافية وضبط المسئولية العامة، ففي كل بلد عربي هناك “قبيلة الوزراء والمسؤولين الكبار” الذين لا يرون لأحد الحق في نقدهم وهم يتكاتفون في أبراجهم العاجية كأنهم جسد واحد إذا اشتكى عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى والصمت المريب، ولا بد من انقراض هذه القبيلة المستحدثة إذا أردنا الإنطلاق.
بقي المؤشر الرقمي وسط فيض الكلام لاشاعري، حيث أشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للإمارات ارتفع من 261 مليار درهم عام 2002م، إلى 599 مليار درهم عام 2006م…. الله يبارك ويزيد.