حبل سُرّي، هو ذلك الممتد من السرة إلى مشيمة الأم لتغذية الجنين، ويصبح عديم الفائدة بعد الوالدة…
وإن كان علماء الجينات الآن قد اكتشفوا فيه كنوزاً ثمينة يسيل لها لعاب الأثرياء – الذين أدلجوا وأوغلوا في العمر الذي يقضم الطاقات البشرية كما يقضم الصدى عنفوان الحديد – أقول بعد هذه الجملة المعترضة والطويلة، وهي معيوبة في الكتابات الصحفية، أن حبلاً سرياً يربط مدن وأرياف وصحاري العالم العربي المترامي من بغداد في أقصى الشرق إلى الدار البيضاء في أقصى الغرب، فإذا ظهر خرّاج التطرف هنا انفجر هنك، وليس في الأمر سرٌّ خطير يقتضى استدعاء النطاسيين من حكماء الطب وعتاة التشخيص، ذلك أن المنبع واحد، وهو الثقافة التكفيرية السائدة، والتي نتلمسها جليّة على ألسنة الأطفال، وفوق شفاه الأميات من النساء، وفي تلافيف أصحاب العمائم الكبيرة إلا من رحم ربي، وهكذا في عامة الناس من البسطاء الذين مرنت عقولهم أن الدنيا بأسرها أسود وأبيض، وأن ما يعتقدونه هو الأبيض وما عداه هو أسود، وكفاهم الله التفكير ومخاطر التنوير التي ينظر إليها على انها بدعة تتحول إلى ضلالة، ومن ثم تستحق إلقاءها في النار والعياذ بالله.
وما لم ينتبه القائمون على رحب التطرف إلى هذا العمق المغذي فإنهم سيظلون يفاجأون باستشراء المرض المعدي، وتدهور حالة المرضى، فالطبيب الحكيم قد يشير إلى الإسبرين كمخفف لوقع الأعراض على المبتلي، ولكن لا يمكنه أن يعالج السرطان أو الإيدز أو الجذام بحبات الإسبرين، وإلا تعرض للطرد من المهنة، وربما وضعوا شهاداته في كأس ماء وطلبوا منه أن يشرب حبرها، وقد صرح الأمير نايف بن عبدالعزيز الاسبوع الماضي بما يفيد هذا المعنى المستخلص من التجربة، وفماده أن الفكر الذي يغذي التطرف أو يجد له الأعذار أو يسوغ تخريجاته هو أخطر بكثير من الشباب المغرر بهم الذي يفجرون أنفسهم في مواطنيهم وفي الأسواق والحافلات العامة والمدارس والجامعات، وأمس الأول شهدت (الدار البيضاء) يوماً أسود دامياً وصفته وكالات الأبناء على النحو التالي:
“قتل ثلاثة انتحاريين في مواجهات شهدتها أحياء فقيرة في الدار البيضاء بين قوات الأمن وبقايا خليّة (عبدالفتاح الرايدي) الذي فجر نفسه في مقصهى للإنترنت الشهر الماضي، وفي حين قتلت الشرطة واحداً من الإنتحاريين الثلاثة عند دهم مخبئهم فجراً، فجر الآخران نفسيهما في مكانين مختلفين”.
لاحظ في النص الإشارة إلى الفقر الذي يسمم حياة الفقراء، ويلون نظرتهم إلى الدنيا بالقتامة، وإذا فتح لهم كوة ففي حياة أخرى يستعجلونها بالموت، وهذا ما يلقنهم إياه أساتذة التطرف الذي لا يفرّطون بحياتهم ولا بحاية أبنائهم، فهم يريدون الحياة الدنيا رغداً، ويريدون نصيبهم في الآخة غير منقوص، وفي أحابيلهم أنهم يتقربون إلى الله تعالى زلفى بحياة أبناء الآخرين من القطعان الضالة، ولاحظ ثانياً ثقافة الموت الناجز، وهي الطبعة الجديدة من الإرهاب المخصّب، لكي يموت الأبتاع موتاً محققاً لتمهيد الطريق أمام أمراء الحقيقة لتسنم الممالك والعروش على طريقة الحشّاشين الذي كان يرأسهم الحسن الصبّاح في قلعة (الموت) من أعمال إيران، ويعدهم بالجن والحور العين حال صعود الروح، وفيما هؤلاء يطوفون العالم الإسلامي بالخناجر المسممة تغتال المصلين في الفجر، كان الصباح وعصابته يلهون ويمرحون ويرسمون خطط الإفناء بين جنات وعيون وحور مما يشتهون “من صناعة الدنيا”، ولاحظ تفجير الإنترنت من راس الخلية فهو في نظره بدعه، ولك بدعه ضلاله، وهكذا نسير الهوينى إلى حتفنا بظلفنا، بانتظار من يعلق الأجرس في رقاب القطط المتوحية بين المشرق والمغرب.