كان شاعر الصين الأعظم (لي باي) تلميذاً كسولاً لا يحب الدراسة، ويتهرّب من المدرسة، فحدث أن مر برجل فقير ينحت قضيب حديد شديد الغلاظة والخشونة فسأله عما يصنع فأجاب: “أصنع إبرة”، فارتاع (لي باي) وسأله كيف تصنع إبرة من قضيب حديد؟ فقال: “أنحت كل يوم شطيطة منه، وأصبر عليه أياماً وليالي وشهوراً حتى يستدق ويصير في قطر الإبرة”، فرجع (لي باي) إلى منزله وقد تغير تفكيره كلياً، وانكب على الدراسة حتى أصبح أعظم شعراء الصين.
وردت هذه الإشارة في كتاب (المستطرف الصيني) للعراقي هادي العلوي، وهو كشكول لطيف يضم نتفاً من فلسفة الصين وتاريخها وجغرافيتها وعلاقاتها القديمة بالإسلام والمسلمين، وقد جاء في المقدمة الوجيزة قول المؤلف: “حين تأهبت للحريل إلى الصين بمعونة صديقي الشيخ جلال الحنفي البغدادي لم يكن في حسابات سفري أن أجدد ذكرى ابن بطوطة، إذ كان الغرض أن أغادر بلدي فراراً من الاضطهار إلى بلدٍ آمن، “ينهشك القريب ويحييك الغريب”.
ويا حبذا هذه الهجرة القسرية التي تستضيء بالمعرفة لمقاومة ألم الحنين إلى الوطن المختطف، ولئن كانت عبرة (لي باي) التي سلفت تتمثل في استقطار الشعر والجمال من نهر الحياة الأعظم بدأب وتقنية ذلك لابائس الذي يستل الإبر الناعمة من قضيب الحديد الشديد الغلاظة والخشونة، فإن كل إنسان ملزم في وقت ما… في مكان ما، بسؤال نفسه عن نفسه، ثم التفتيش بين خلاياه العاملة عن خلاياه المبدعة، فالناس مغبونون بالدبيب الأعمى المتواصل دون الوقوف هنيهة للسؤال: “ثم ماذا؟ من هنا إلى أين؟ حتى الأنهار تسأم مجراها القسري، فتثور عليه من آن لآخر وتختط جديداً غيره لترى من أعلى تدفقها مناظر جديدة لمنتهياتها ومروياتها”.
في حكمة الصين نتذوق رهافة التفكير في سبائك اللغة، فاللغة مكتنزة للأفكار الموصولة والمفصولة، والتفكير الجديد والمتجدد يتدفق عبر اللغة، فيغتني بمخزونها ويغنيها باكتشافاته وانبلاجاته:
“الكلمات الصادقة ليست جميلة
الكلمات الجميلة ليست صادقة
الأخيار يتجدالون
والذين يتجادلون ليسوا أخياراً
الذين يعرفون ليسوا متعلمين
والمتعلمون لا يعرفون
الحكيم لا يحاول اكتناز الأشياء قط
وكلما زاد من اكتنازه للغير زاد ما يملك
وكلما أكثر من عطائه للغير عظمت وفرته”
من حكم الصين التي تشبهنا:
• لا تستطيع أربعة خيول مطاردة كلمة خرجت من الفم.
• تحتاج الغابة لكي تنمو إلى عشر سنوات، لكن تأهيل جيل من الموهوبين يحتاج إلى مائة سنة.
• تجرع النصيحة التي لا تعجبك كما تتجرع الدواء المر.
• العجل الوليد لا يخاف من النمر.
• يعلق لحم الخروف ويباع لحم الكلب.
• الماء الجاري لا يفسد، ومفصل الباب لا يتسوس.
• طريق السعادة محفوف بالمخاطر.
• ترويض الجبال والأنهار أسهل من تغيير طبع الإنسان.
تأملوا المعاني، فهي في المتناول، واطلبوا الحكمة من الصين.