لعلكم سمعتم عن عبده مشتاق، المصري الذي ينتظر بجانب التلفون خبر توزيره في الحكومة الجديدة، فاذا غفت عيناه من طول الانتظار والارهاق فان التلفون الصامت يدق في احلامه فيستيقظ مهلوعاً مستغرباً توقف الرنين، فيلعن الندم وابو الندم الذي فوت عليه الفرصة الذهبية التي انتظرها مدى عمره، وما هي إلا لحظات من الألم الحارق حتى يغفر للفرصة تسربها من بين اصابعه النائمة ويبدأ من جديد يحضر للتعديل الوزاري القادم وبدلاً من جهاز تلفون واحد يقتني خمسة أجهزة حتى لا تفوته رنة اذا كان في الحمام او في المطبخ او مطلاً من الشرفة يأمل في ظهور موكب الدعوة إلى الوزارة الذي لا بد أن يكون صاخباً (بالموتيسكلات) المضاءة وصفارات الانذار ليعلم كل من في الحي ان «عبده مشتاق» لم يكن حالماً وانما عالماً.
الله يكون في عون علي محمد مجور، على ألف «عبده مشتاق» يماني يتدافعون نحو وزارته في الأحلام وبالأيادي والاقدام عبر التلفونات والوساطات وتدبيج المدائح واقامة الولائم التي تبدو كأنها بالصدفة ولكنها تخفي ما تخفي من المكر اللطيف والإحراج الشريف، و«ما شنفعك الا انا» كما تقول المغنية، ولا شك في هذه اللحظات الدرامية ان عبد القادر باجمال (مع حفظ الألقاب) يضع رجلاً على رجل ويبتسم ابتسامته التي سارت بذكرها الركبان لانك لا تدري ان كانت نعم، أم، لا، أم انها، لعم، مركبة تتأبى على الشاعر القائل:
حسن قول «نعم» من بعد «لا»
وقبيح قول «لا» بعد «نعم»
ومع ذلك من الذي يستطيع في يمننا ان يجعل «نعم» مثل مد البحر او يجعل «لا» مثل صوان جبل «نقم» فلا بد من الجزر والمد، وشي لله ياقمر السماء، يا صانع المد والجزر، ولذلك اتخيل باجمال وهو المثقف اللسن الذي اخذ من كل فن بطرف، يسمع الاصداء وهو يردد، حوالينا لا علينا، ثم يرسل رسالة عبر الاثير لعلي محمد مجور:
لا اذود الطير عن شجر
قد بلوت المرَّ من ثمره
والمشكلة الاعظم ليست في من يدخلون الوزارة، فهؤلاء شم الأنوف إن أقبلت، اما اذا ادبرت فانهم يقولون: «إن العنب حامض» كما قال الثعلب ذات يوم، ولكن المشكلة فيمن يخرجون، يا ويلي يا ويلي يا ويلي:
ودّع هريرة ان الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً ايها الرجل
والله ان قلبي مع هؤلاء، رغم ان الداخل الى الوزارة مفقود والخارج منها مولود، والوزير في حضرة الوزارة ينطبق عليه ما قاله مولانا جلال الدين الرومي «كلهيب الشمعة في حضرة الشمس، ليس له وجود وان بدا موجود».
ما علينا، ان مجور لها، وقد تعرفت اليه في مقيل خلا من الزحام في بيت خالد الرويشان، ولمست فيه من الأدب الرفيع ما يسر الخاطر ومن التناول العلمي الهادئ للأمور ما يثبت الموازين ولا يخسرها، والمسألة أولاً واخيراً تكليف لا تشريف، والمرحلة القادمة في وطننا من أدق المراحل وفيها اما أن نكون أو لا نكون، والمسافر الى البعيد يختار افضل الخيول واحصف الفرسان «لا تغزُ الا بقوم قد غزت.. والاّ فخلي المغازي لاهلها.»
وسامحونا اذا اعلنت الوزارة قبل نزول المقال.