ما صنع الحداد

تدل المعارك الطاحنة التي تدور رحاها في العاصمة الصومالية مقديشو – فيما وصف بأنه أشد المعارك هولاً منذ خمسة عشر عاماً – على أن الجيش الأثيوبي قد أصبح جزءاً من المشلكة الصومالية وليس حلاً لها كما توهم الواهمون، ولم يعد هناك من حل أسهل خارج انسحاب القوات الأثيوبية واستبدالها بقوات أفريقية مقبولاً من أطراف النزاع، علماً أن البديل الأسوأ هو اندفاع الأثيوبيين بالمزيد من الوقات التي ستزيد الطين بلة، وستؤدي إلى نحر المدنيين وتهجيرهم كما هو حاصل إلى الآن في العاصمة المنكوبة.
وقد أعلنت اللجنة الدولية للصيب الأحمر – وهي طرف محايد – “أن القتال الذي شهدته مقديشو هو الأسوأ منذ 15 عاماً، وقد نجم عنه مقتل 80 شخصاً عل الأقل بحسب المصادر الطبية، فيما نزح 12 ألفاً من السكان إلى المناطق المجاورة، حيث يعانون ظروفاً معيشية صعبة فيما اكتظت المستشفيات بالمدنيين الجرحى على الرغم من أن معظم الضحايا قد لا يحصلون على أي نوع من المساعدة”. ويبدو أن ذلك بسبب شح موارد المستشفيات ونقص الكادر الطبي والتمريضي، وهي مسألة متوقعة في بلد شبه محاصر يعيش في حرب متواصلة منذ أكثر من 15 عاماً. ومن المعروف أن بين الصوماليين والأثيوبيين ما صنع الحداد تاريخياً، ولا يمكن تخيل ولا يمكن تخيل وجود قوات أثيوبية تحت أي مسمى تحتل العاصمة وتنعم بالأمان، وهذا النزوح للسكان الناتج عن التدمير هو بمثابة هدية غير متوقعة للمحاكم الإسلامية، حيث ستجد بين هؤلاء المدد الذي تحتاج إليه، فإضافة على الشعور الوطني هناك الحافظ الفردي القوي بسبب فقدان المعيشة ومغادرة الوطن الصغير، وهو سكن الإنسان ومحيطه الذي ألفه ليصبح لاجئاً داخل وطنه الكبير.
يقول علي حسن وهو من سكان حي علي كميني “أن المنطقة دمرت بكامله تماماً، ويمكننا رؤية الدخان يتصاعد في كل مكان”، ويقول إبراهيم دوالي – من الحي نفسه – “لا ندري إلى أين نذهب، فنحن محتجزون في بيوتنا، والجثث ملقاة في الشوارع، ولا توجد أي إمكانية لنقل القتلى والجرحى بسبب القصف المدفعي العنيف”.
وأوضحت حبيبة حسن التي تقيم قرب ملعب كرة القدم الذي تدك منه الدبابات الأثيوبية ما تقول أنه مواقع للمتمردين “لم نشاهد مثل هذه المعارك على الإطلاق، إنها الأسوأ التي شهدتها مقديشو منذ 1991م.”
ومن الوضح أن استخدام الدفعية داخل المدن وبمواجهة قوات غير نظامية تضرب وتهرب وظهر وتختفي إنما يصيب السكان المدنيين بالدرجة الأولى، ومن الصعب تقرير من هو متعاطف ومن هو مرغم، ومن هو عالق بين رصاصتين، حيث كشفت منظمة مراقبة حقوق الإنسان عن برنامج دولي سري لاعتقال الصوماليين المشتبه في تعاطفهم مع المحاكم الإسلامية.
وكلمة (المشتبه) فضفاضة وبلا ضفاف، أليس الأحرى أن يعتقلوا مقاتلي المحاكم بدلاً من اتهمام المدنيين بالتعاطف وتعريضهم للقتل، حيث قالت أديس أبابا أن قواتها قتلت مائتي صومالي، وفي كل الأحوال فإن المقاتلين الصوماليين في وطنهم وبين أهلهم، وعلى أثيوبيا أن تارجع برنامجها للتدخل، فالنصائح الأمريكية ليست وصفة صالحة في كل الأحووال، وليس من رجله في النار كمثل من رجله في الماء البراد، أما حكومة دردوا فلا أعتقد أن لديها ما يبرر قتل مواطنيها، ولم يبق أمامها سوى تسريع المصالحة الوطنية على أسس قابلة للاستمرار والمشاركة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s