في مؤتمر (النظام الأمني في منطقة الخليج العربي) الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي واختتم فعالياته الأربعاء الماضي، تحدث كثيرون حول أمور كثؤرة، ذلك أن موضوع الأمن وساع النطاق، ويتصل بكل مناحي الحياة تقريباً مع تفاوت في ترتيب الأولويات وفقاً للمراحل ومقتضياتها وما تفرزه من تهديدات أو تكشف عنه من فرص.
وللأسف فقد دأب العرب منذ زمن مديد على إهدار الفرص والإذعان للتهديدات، الأمر الذي جعل قراراتهم في خانة الصفر، لا يعتدّون بها هم أنفسهم، فكيف يعتد بها الآخرون؟ وحتى الثروات التي حتازونها – وهي كثيرة وفيرة كرمال صحاريهم – لم تجعل من حياتهم مرتعاً للسعادة ولا من معيشتهم منهلاً للهناء، فهم بحكم انعدام الوزن السياسي يتخطفون من تلك الثروات ما يتخطفه الضعيف بيد الأقوياء، وهي تتسرب من بين أصابعهم كما يتسرب الماء من يد القابض عليه.
ومنذ أربعة عقود افتقدت الأمة إلى البوصلة الهادية التي ترشد اتجاهاتها ولم يتقدم أحد لمء الفراغ الكبير الذي تركه كل من جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله تعالى، فأصبحت الساحة بلا حكم ولا ضباط إيقاع، واختلط الحابل بالنابل، فلا يسار ولا يمين، وإنما خليط باهت بلا ملح ولا بهارات، فتولى بعض الشارع الإجتهاد دون الحصول على الشرعية، وحصل شطط في البحث عن مخارج أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه مما لا يحتاج إلى بيان أو تبيان:
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة = وغاب عنها تولى رعيها الأسد
الآن أخذت تظهر بوادر قيادة معتدلة عاقلة، والاعتدال الإيجابي هو المقابل لما عرف بالنزوع الثوري الذي دمر كل شيء بعد أن وعد بكل شيء، وقد انحسر الآن إلا من نفس شبه أخير في أحاديث العقيد القذافي لا في سياسيته، وإلا ما يأتينا من الجوار الإيراني على لسان الرئيس أحمدي نجاد على وجه الخصوص، وأما العقل والعلاقنية فهي المقابل لمزارع الأحلام التي أضاعت من الزمن أضعاف ما باعت من الأمل، وكان الحصاد ألماً في ألم.
وقد لمحت الحصافة المعتدلة العاقلة والمتجهة إلى القيادة في حديث الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في السعودية إلى مؤتمر (النظام الأمني في منطقة الخليج العربي)، وكان الحديث – حول إيران ودول الخليج خصوصاً والعرب عموماً – خالياً من الحدة ومن المقاربات الشعبوية المذكية للخلافات والنافخة في نيران الموروث الذي عفا عليه الزمن فـ “التعايش مطلوب من أجل توفير الأمن للمنطقة، ولا فائدة من تسخير جزئيات من السلبيات المذهبية في زمن يحتاج فيه الناس إلى التقارب والألفة لتحقيق الرفاهية والاستقرار لشعوب المنطقة بأكملها”.
أضاف “إن إيران ودول مجلس التعاون نسيج باهر من السنة والشيعة يشبه في دقة حياكته أبرع ما ينسج من الزرابي في تبريز أو شيراز”.
هي لغة جديدة ما أحوجنا إليها، فالكلمات تهدم وتبني، وتخيف وتطمئن، وتفعل في النفوس فعل الحميّا في العقول والمشارع، وفي البدء كانت الكلمة… والحديث ذو صلة… فإلى الغد.