اضمحلال امبراطورية

بدأ الإسرائيليون إعداد أنفسهم للقفز من سفينة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي يبدو أنها على وشك الغرق في الشرق الأوسط تأسياً بالفئران التي تستشعر خطر الغرق قبل غيرها، فتكون أول القافزين طلباً للنجاة كما هو معروف في أدبيات البحار ومدونات الربابنة الماخرين للعباب.
وذكرت صحيفة (ها آرتس) العبرية الواسعة الإطلاع “أن واشنطن تبحث لنفسها عن ملاذ للفرار، وتبدو مستعدة للمساح لكل من يرغب بالحصول على سيطرة في العراق لكي ينال مراده، والمهم أن يستعجل”.
وفي باطن الكلام الذي ظاهره الرصد المحايد نوعٌ من التبكيت والتعنيف للإدارة الأمريكية التي غرقت بحماقاتها في المستنقع العراقي، وخيّبت بالنتيجة الآمال الإسرائيلية لإخضاع الشرق الأوسط لسيطرة مشتركة بقوة النيران الأمريكية ودهاء التحالف الصهيوني مع غلاة المحافظين في البيت الأبيض والبنتاجون، لقد انتهت الأحلام الوردية وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، ومنذ رحيل دونالد رامسفيلد عن وزارة الدفاع – التي أدارها بحماقة منقطعة النظير – اتضح جلياً لكل ذي عينين أن العد العكسي للهجمة الأمريكية قد أخذ يتسارع كجلمود صخر حطه السيل من عل، وما الخطط الجديدة المعلن عنها لتأمين بغداد وإخضاعه سوى حشرجة ما قبل الموت تتوهج مثل النفس الأخير لعود الثقاب قبل أن ينطفئ ويتحول إلى رماد.
ومثل الجمل إذا طاح وتكاثرت عليه السكاكين فإن إدارة بوش ترمي الآن بالحجارة رمي المحصنين الخاطئين، وقد انكسرت هيبتها، وتكاثر عليها من استفزتهم طويلاً، فأثخنوها قتلاً وجرحاً في ساحات المعارك في العراق وأفغانستان وهم ينتظرونها في ساحات أخرى إذا جنحت إلى القرارات الخاطئة.
وقال الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) الذي أثار حفيظته الصهاينة عقب نشر كتابه المعنون (فلسطين… سلام وليس فصلاً عنصرياً) أن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني وتهديداته بضرب إيران تسير في نفس سياق تصريحاته السابقة التي كانت دوماً على خطأ، مشيراً أمس الأول في مقابلة تلفزيونية إلى أن جزءاً كبيراً من حل الوضع المتأزم في العراق والشرق الأوسط هو إحياء عملية السلام.
وفي تحد للسياسة الأمريكية المترنحة كالثور الذي ينزف من وخزات السهام قال نائب وزير الخارجية الإيراني (منوشهر محمدي) أمس الأول أن بلاده “مستعدة للحرب أو الحوار من دور شروط مع واشنطن، ولكن عليها قبل كل شيء التخلي عن سياسة الهيمنة”.
وفي نظرة إلى البعيد، لفتت (ها آرتس) – التي بدأنا بها المقال – الأنظار إلى “النسر الروسي الذي بات يحلق فوق منطقة تغصّ بالجثث”، وركزت على الاستقبال الحافل الذي لقيه (بوتين) في الرياض، وتأثيره الهائل في دمشق، وامتلاكه حق (الفيتو) ضد العقوبات على إيران، وخلصت إلى أن العراق كشف اضمحلال قوة عظمى وبزوغ قوة جديدة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s