(آلين روبير) هو من يطلق عليه (الرجل العنكبوت) لهوايته المثيرة في تسلق ناطحات السحاب الزجاجية دون استخدام الحبال أو أدوات السلامة التي يستخدمها متسلقو الجبال على سبيل المثال.. ولا أدري إلى أية جنسية ينتمي هذا العنكبوت، وإن كنت أرجح أنه من غرب عالمنا، فليس في اسمه رائحة صينية أو مظنة يابانية أو شبهة سريلانكية أو متلازمة كورية أو رطنة هندية، علماً أن سوق الشرق يعج بالأسماء والمسميات بقدر ما يعج بالبهارات والسحنات، ومع ذلك فليس لجنسية العنكبوت أية علاقة بهوايته التي قد تكلفه حياته ذات يوم إذا زلت به إلى الحضيض قدمه، فلننس موضوع الجنسية فكله عند العرب صابون كما يقال.
أمس الأول تسلق العنكبوت في وضح النهار أعلى مبنى في مدينة أبوظبي، والذي يخص جهاز أبوظبي للاستثمار، وقد نجح أيما نجاح، وصفقت له الجماهير المحتشدة التي كانت تطلق صيحات الإعجاب والاندهاش بغريزتها الجمعية مثلما يحدث في ملاعب كرة القدم حين يقفز المتفرج الذي كان يسبح في الملكوت هاتفاً ومصفقاً ثم يسأل بعد ذلك: “من الذي سجل الهدف أصحابنا أم أصحابهم؟”.
ما علينا، فهذا الرجل الغلبان رزقه في أعصابه، وأعصابه في يديه، وهو بعمله لا يضر ولا ينفع، ويذكرني بذلك العربي الذي برع في تصويب إبرة إلى ثبت إبرة وهكذا دواليك وسط دهة الناس الذين تجمعهم طبلة وتفرقهم عصا، حتى وصل الخبر إلى الخليفة في بغداد، فأمر بإحضاره ليختبره، فلما نجح كصاحبنا العنكبوت أمر له بجائزة سنية ومائة جلدة بالسوط، فلما سئل في ذلك قال: “أما الجائزة فلمهارته العظيمة التي لا شك فيها ولا غبار عليها، وأما المائة جلدة فلإضاعته لوقته وجهد وموهبته في ما لا ينفع بشيء”.
فكرت في كم “العناكيب” التي تشغل الدنيا وهي تضر في كل شيء ولا تنفع في أي شيء، ولو تأملت عزيزي القارئ حواليك جيداً ستلقي القبض على أكثر من عنكبوت بشري لا يتسلق ناطحة سحاب زجاجية وإنما يتسلق ظهور الناس، ووسيلته إلى ذلك لسانه الذرب وضميره الخرب.
كم من الأحزاب في وطننا العربي تتزعمها “العناكب” التي تتنمر على أوطانها وتقعي على أذيالها في حضرة الممول والمحرض والخارجي؟ وكم من الألسنة والأفواه المستأجرة التي تسيّر بـ “الريموت كونترول” فتصغي إليها تصخب حتى ليخيل إليك أن الحرب العالمية الثالثة قد نشبت وأجراسها قد قرعت، ثم تبحث عنها بعد ذلك فلا تجد لها أثراً، كأنما ألبست طاقية الإخفاء بانتظار البعث والنشور مجدداً.
كم من “العناكب” تزحف في دوائر الأعمال، تشنّع على المبدعين والمجدين والمجتهدين، ولا عمل لها سوى التعطيل من جهة والتطبيل من جهة أخرى، وهم يجدون من يعطيهم أذنيه لا أذناً واحدة من ضعاف المدراء وزعابرة الرؤساء و “العلوج” الذين يعشقون أكل لحوم الناس وهم أحياء.
لا مقارنة بين هؤلاء وبين عنكبوتنا الزجاجي الذي لا يؤذي أحداً، وإنما يمتّع الناس على حساب ما قد يكون ذات يوم حياته… وطوبى للأنقياء.