زمانك… زمانك

ما طار طير وارفع إلا كما طار وقع، ويستوي في ذلك الأغنياء والفقراء والحاكم والمحكوم والبخلاء والكرماء، إضافة إلى الطيور التي في السماء،هذا في المعنى العام المطلق، أما في الخصوص فهناك الوقوع المزري، والوقوع الكريم، والوقوع الذ لا له ولا عليه. هناك من يسقط كالشهب، وآخر يتساقط أو يسقط كذرات الرماد. هناك من يسقِطه الزمن المطلق، وهناك من يسقطه التاريخ المشخص، فيغدو ذميماً مدحوراً ينطبق عليه المثل الصيني “انتظر عدوك على ضفة النهر فسيأتي يوماً حاملاً جثته”، وكم يأتي نهر الزمن بجثث تعلوها الطحالب، بعد أن كانت ملء الدنيا وبصرها، طبعاً ليس في ذهني وأنا أكتب هذه الزاوية طغاة الأرض الذين مازالوا على سدات الحكم يتلاعبون بمصائر العالم كأنما يلعبون النرد في الظلام، فهؤلاء سيأتي زمنهم الثاني بعد أن ينطفئ الزمن الحالي، وإنما أتكلم عن الأموات الأحياء، أو الأحياء الأموات الذين ينظرون خلفهم فسيدون آنافهم من الرائحة، ويتذكرون آخرين مازالت الورود على أجداثهم بدعوات الناس ورضا الله تعالى وعناية التاريخ.
(جورباتوشف) على سبيل المثال ملتبس، فهو يبدو مطمئن الضمير، ولكن كثيرين يستمطرون اللعنات على راسه لأنه كان في رأيهم الرجل الخطأ في الزمن الخطأ، فيما البعض يرفعونه مكاناً عليناً باعتباره آخر الرجال المحترمين، وللحققة فقد كان نتاج زمانه، حيث وصلا معاً إلى نقطة تحول مفصلية، لو لم ينجزها الزعيم لأنجزها الزمن نفسه ربما بصورة عنيفة قد تقتل الذئب وتفني الغنم، ومع ذلك فالناس يتكلمون عما رأوا ويتناسون احتمالات الغيب لو لم يكن ما كان.
(سوار الذهب) السوداني يسر واثق الخطوة يمشي ملكاً، لأنه أنجز وعده حتى وإن كان عاجزاً عن الإتيان بنقيضه ونقضه، وبذلك ارتقى في مدارج التاريخ بريئاً من الأذى، موفور الصحة، وافر الاحترام.
الزعيم العظيم (نلسون مانديلا) طاولت هامته التاريخ المكتوب والذي لم يكتب بعد، ففي السجن كان القضية المحاربة التي تأبت على الإنهزام، وفي الحكم انطبق عليه ما انطبق على ابن الخطاب: “حكمت فعدلت فأمنت فنمت”.
ونأتي إلى ثالثة الأثافي البارونة (مارجريت تاتشر) المرأة المحاربة كنساء الأمازون، ومسترجلة حتى غلبت جنس الرجال في رجولتهم، فأصبحوا لها منقادين كقطيع لراع مهاب يفرقع سوطه ويحنحن عصاه وجيوبيه ملأى بالأحجار لمن بعد، فيما كلابه تحوم حول الحمى قبل أن يقع فيه.
وقد نشر أمس تقرير طريف محزن عن السيدة (تاتشر) جاء فيه أنها “أصبحت شبحاً ذابلاً، تعاني من ضعف الذاكرة وتعيش في دائرة الظل حيث لا يتذكرها أحد بعد 16 عاماً منذ الرحيل من 10 داونج ستريت مقر رئاسة الوزراء في لندن. وقد أوضح مقربون منها أنها ليست متأكدة من مكانتها في التاريخ، وتخشى أن يكون حكم الناس عليها قاسياً. نقول لها ما قالته أسماء بنت أبي بكر: “إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها”، ويكفيها أنها عاشت الزمانين داخل الزمن الممتد الذي يقول عنه حسين المحضار: “زمانك… زمانك، يعرفك بالناس، وبالناس تعرف زمانك”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s